مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

[معنى التوكل]

صفحة 464 - الجزء 1

  وترك البيان يوجب الفاقة، والفاقة توجب الخوف، والخوف يوجب الطلب، والطلب يبعث الحيلة مع التثبت والأناة والتبيين والتمييز والكشف والبحث؛ لأن الحكيم ø لا يرضى بالفساد، ولا يقصده لأحد من العباد، ولا فساد أعظم من إهمال العقل، والإقامة في البلاهة والجهل؛ لأن في ذلك الزهد في الحكمة، ومن زهد في الحكمة فقد رضي بالضلالة، والضلالة مذمومة، ومن اختار المذموم على المحمود فقد أبلغ⁣(⁣١) الغاية في الخطأ.

[معنى التوكل]

  وقد زعم قوم أن التوكل على الله في جميع الأسباب واجب وجهلوا حقيقة التوكل؛ وإنما حقيقة التوكل اليقين⁣(⁣٢) بالله ø، والرضى بجميع ما قدر وقضى، ولو كان التوكل هو أن يغلق عليه المتوكل بابه⁣(⁣٣) ويهلك نفسه، لكان من لم يفعل ذلك غير مؤمن بخالقه، ولو جاز له أن يفعل ذلك لجاز له أن يحج إلى بيت الله الحرام بغير زاد وأن لا يستعد لأعداء الله في الجهاد، ولا يطلب العلم الذي ينجو به من عذاب الله في يوم المعاد، وإذا صار إلى ذلك فقد ألقى بنفسه إلى التهلكة، وخرج من الحقيقة إلى البدعة، وهذا جهل من ظنه وتوهمه، فضلاً عمن عمل به واعتقده، لأن الدنيا دار المحنة والحاجة، وليست بدار الآخرة والنعمة، والله يقول عز من قائل: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ١٠}⁣[الجمعة: ١٠]. وهذا كثير في القرآن بين غاية البيان.


(١) في (ج): بلغ.

(٢) في (ج): حقيقة التوكل على الله اليقين.

(٣) في (ج): المتوكل عليه بابه.