مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

باب الدلالة على حدث الأجسام

صفحة 78 - الجزء 1

[طرق المعارف]

  والمعارف عندنا من أراد طريق النجاة فليست إلا بالتسليم للمعقول وجهاد النفس بالقبول، والاعتماد بأمر علام الغيوب، وإكذاب خواطر القلوب؛ لأن العاقل إذا ورد عليه شيئان أحدهما ظن، والآخر يقين، وجب عليه قبول أصدقهما، وإبطال أفسدهما بأحقهما، فإن الحق لا يشبه المحال والهدى لا يماثل الضلال، والعلم لا يقاس بالجهل، والظن لا يمثل بالعقل، والصحة لا تؤازر السقم، والدليل أولى من الوهم، وصحة الخبرة، أولى من وساوس الحيرة، فيجب على المتعبد أن ينظر الأمر من المتناهيين المختلفين المتغايرين المتباعدين المتنافرين فليستمع قولهما وينظر دلالتها، ثم ينظر اختلافهما فلن يشتبه ضدان أبداً فليأخذ بأوضحهما دليلاً، وأنورهما سبيلاً، ويجاهد نفسه على قبوله أشد الجهاد، ويحرس قلبه من الفساد، ولا يبرح صابراً مصطبراً متيقظاً من السهو متفكراً، فلن يشتبه الحق والباطل عنده إن عقل، ولن يهدى إلى الرشد إن غفل.

[التفكر في النفس]

  فرحم الله عبداً نظر لنفسه في أوان المهل، قبل حضور ما وعد به من الأجل، فلعمري لو لم يكن لنا من النظر إلا ما في أنفسنا من الآيات والعبر لكان لنا في ذلك كافية، وأدلة واضحة شافية، وبراهين جليلة باهرة، وآيات عظيمة قاهرة، وأنوار مبصرة زاهرة، من خلق الذكر والأنثى من نطفة من مني تمنى، لا سمع فيها ولا بصر، ولا عقل ولا شعر ولا بشر، ولا حياة