[معنى الشجاعة والجبن]
  فأما شجاعة البهائم: فإلهام وتركيب من رب العالمين.
  وأما شجاعة المكلفين، وإقدامهم على ما يكرهون: فهي صبر منهم لدفع ما يخافون، واجتلاب منافع ما يريدون، ولا يتم ذلك لهم إلا بما ركَّب الله من الاستطاعة فيهم، ولأولياء الله من الصبر والاجتهاد، ما ليس لغيرهم من جهلة العباد(١)، وذلك ليقينهم بالمعاد، وزهدهم في الإقامة والإخلاد.
  وأما جبن البهائم وذلها: فهو محنة من الله لها، ونعمة منه لغيرها، ليثيبها على ذلك عند حشرها، وبعثها يوم القيامة ونشرها.
  وأما جبن الآدميين، فلا يخلو من أحد وجهين:
  [١] إما أن يكون لعلة مرض أذلهم، ومنعهم من الجهاد وأملهم، وأضعفهم عن ذلك وأكلَّهم.
  [٢] وإما أن يكون ذلك زهداً منهم في الجهاد، وميلاً إلى الراحة والرقاد.
  فإن كان ذلك لعلة مانعة، ومحنة عن الجهاد قاطعة، فلا يكلف الله سبحانه خلقه ما لا يستطيعون، ولا يسألهم ما لا يجدون، لأنه ø أرأف وأرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم.
  وإن كان ذلك منهم ميلاٌ إلى الفساد، وكراهية منهم لحر الجلاد، وضنانة(٢) بالأهل والأولاد، فسيفارقون صاغرين، ويرتحلون عنه مأزورين.
  [وسألت عن رجلين سارا لحاجة بعينها فقضيت لأحدهما ولم تقض للآخر منهما أذلك بسبب من الله أم لا؟
(١) في (ج): ما ليس تجهله العباد.
(٢) في (ج): وصيانة.