[معنى المس في آية الربا]
  فإن قالوا: إنه خرج من أنفسهم وأعيانهم جسم أمرضه، ووصل إليه وعارضه، فهذا الجسم لا يخلو من أن يكون لطيفاً، أو يكون عند خروجه كثيفاً.
  فإن زعموا أنه خرج من أعيانهم وأنفسهم جسم كثيف أوجعه، وغلب الشيء المعجب وصرعه، أو أيبس الشجر وقطعه، فهذا محال لأن العين والنسمة ضعيفان، وهما مع ضعفهما لطيفان، وما كان من الأشياء كلها ضعيفاً، وكان مع ضعفه لطيفاً، فيستحيل أن يخرج منه جسم كثيف.
  وإن قالوا: بل خرج منه جسم لطيف، فليس يخرج من العين والنسمة إلا ما هو ألطف منها وأضعف، وأقل منهما وما كان ألطف من اللطيف، وأقل وأضعف من القليل الضعيف، لم يذهب في الأهوية إلا ضلالاً، وكان كلما نسب(١) إليه محالاً.
  وقد علم كل عاقل أنصف عقله، ولم يتبع جنونه وجهله، أن ذلك لو صح لمدعيه، لما ترك على وجه الأرض أحداً يعاديه، وقد رأينا بالمشاهدة أعداءه أحسن حالاً، وأكثر منه ولداً ومالاً، فلو كان صادقاً فيما يدعي من المحال، وينتحل عند الرعاع والجهال، لما ترك أعداءه يوماً واحداً، ولما ترك لهم مالاً ولا ولدا، ولا أبقى في إلحاح النظر جهداً.
  وقد أجمعوا على صحة هذا السبب غاية الإجماع، ولكن لا يلتفت إلى إجماع الرعاع، لأن همج الناس لا يفرقون بين العقول والأوهام، فمن هذا الوجه لا يتكل على إجماع الطغام، ولو أجمعوا على شيء يمكن في المعقول، لما صدقناهم لما هم عليه من العقول، فكيف بتصديقهم في المستحيل، وما لا يمكن أبداً في العقول.
(١) في (ج): ينسب.