مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

[متى تجوز المباينة؟]

صفحة 510 - الجزء 1

  لتكمل الحجة بذلك عليهم، وليستعطف قلوبهم بإحسانه إليهم، وفي ذلك ما يقول الله ø فيما أوحى إلى رسوله ونزل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}⁣[النحل: ١٢٥]، وقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}⁣[فصلت: ٣٤].

  فإذا فعل ذلك وقربهم بالموعظة الحسنة إلى ربهم، فهو مستوجب لإحسان الله وثوابه، ناجٍ عند الله من سخطه وعذابه، فإن هم أجابوا إلى ما دعا إليه، فقد وجب حقهم على الله وعليه، وكان له عند الله كأجر كل من أجابه، وزاده الله على أجره وأثابه.

  وينبغي له حينئذٍ ألا يُحَمّلَهم فوق طاقتهم، ولا يكلفهم جميع الشرائع في آخر ساعتهم، لأن الطبيب لا يحمل على المريض ما لا يطيق، ولا يكلفه من الأدوية ما لا يليق.

  وإن أبوا إلا التمادي في الضلال، واتباع الكفرة الفجرة الجهال، وجب عليه الإعراض عنهم، والتنحي بجهده وطاقته منهم، وينبغي له إذا هجرهم ألا يفحش في كلامه لهم، إلا أن يطلبوا قتله فيدفعهم، وإن أمسكوا عن قتاله قطعهم، ولم يجز له بعد المقاطعة أن يحل معهم، وإن نابذوه في دينه نابذهم، ولم يجز له أبداً أن يخضع لهم، وحرمت عليه مكاتبتهم، ولم يجز له أبداً مقاربتهم، وإن أقروا بفضله عليهم، فلا بأس بالبر والإحسان إليهم، ولا يحرم عليه الانتفاع بهم، إذا كان ماقتاً لهم في فعلهم، داعياً لهم طول دهره إلى ربهم، وكان مع ذلك لا يركن إليهم، ولا يأكل شيئاً من ذبائحهم، ولا يجيز شهادتهم، ولا يجيب دعوتهم، وكان يكتمهم أسراره، ويخمل عندهم أموره وأخباره،