باب الدلالة على حدث الأجسام
  ولا حكمة ولا إرادة ولا همة، فبينما هو كذلك إذا هو بشر سوي، حكيم عالم عاقل حي، سميع بصير قوي، أجزاء محكمة متقنة مفصلة، وآيات محبوكة متسقة موصلة، ومفاصل مجموعة معتملة، وحكمة بالغة معتمدة، مأسورة مشدودة مؤكدة.
  تدل على حكمة صانعها، وتشهد بالفطرة لفاطرها وتبين لناظرها، لا يمتنع عاقل حكيم من التصديق بأن تأليفها بعد العدم يدل على مؤلفها، وتصريف فطرتها دليل على مصرفها، وإتقان ما لم يكن متقناً منها دليل على متقنها، وتفصيل أجزائها دليل على مفصلها، وتوصيل آلائها دليل على موصلها، فكفي - لعمري - بوجودها بعد عدمها دليلاً على صانعها، وكفى بصنع أدواتها دليلاً على علم الصانع بها، وكفي بوجود الأرزاق دليلاً على الرزاق الواحد الخلاق، وكفي بما نشاهد من النعم المنزلة من السماء المبسوطة لنا ولأنعامنا دليلاً على المنعم علينا، وكفى بما نشاهده من الإحسان في الأرزاق دليلاً على المحسن علينا - فلعمري - لفي أقل من هذا ما دل على الله تبارك وتعالى، فيا لها نعماً عظمت، وأيادي جلت وجسمت، ويا لها فضائل كثرت عن التعديد، وزادت على كل مزيد، والحمد لله الواحد الحميد، العدل الخالق المجيد، فلن نذكر من حكمته إلا قليلاً، فسبحان الله بكرة وأصيلاً، والحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً.
  ولا تكون نعمة صح حدثها إلا من منعم، ولا كرم صح من بعد العدم إلا من متكرم، ولا حكمة بالغة إلا من حكيم، كما لا يكون العلم إلا من عليم، ولا الحلم في الشاهد إلا من حليم، ولا يجعل الشيء للشيء والمعني للمعنى إلا عالم بفاقة المخلوق إلى ما جعل وبني.