[الدليل الثاني: السنة]
  لصدور صيغة العموم من عدل عارف باللغة، فالظاهر أنه لم ينقلها إلا وقد سمع صيغة لا يتشكك في عمومها، أو غلب على ظنه عمومها؛ إذ العدالة تمنعه عن إيقاع الناس في وَرْطَةِ الالتباس، واتباعِ ما لا يجوز اتباعه.
[الرد على من منع الرواية بالمعنى]
  وقال ابن سيرين(١) وجماعة من السلف وأبو بكر الرازي(٢): لا يجوز إلا باللفظ مطلقاً؛ لقوله ÷: «نضر الله امرأً - وروي: رحم الله امرأً - سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» وهذا بعث على النقل كما سمع.
  ولوجوبِ نقل ما تعبدنا بلفظه باللفظ اتفاقاً، كالأذان والإقامة والتشهد، فكذلك يكون حكم جميع الآثار.
  ولأنَّه لو جاز النقل بالمعنى وتبديل اللفظ لجاز ذلك للراوي ثم للراوي عنه ثم كذلك، حتى يؤدي إلى خروج الخبر عن معناه؛ لأن كل ناقل قد ينقص القليل ثم كذلك أبداً، فيصير الحال في ذلك كالحال فيمن أخذ حصاة ثم طرحها وأخذ مثلها ثم طرحها وأخذ مثلها، فإن آخر حصاة يلقطها لو قيست بالأولى لكان بينهما تفاوت كثير.
  قلنا: أما الحديث فإنما دل على الدعاء لمن حفظه إلى أن يبلغه إلى غيره، فهو حث له على الأَوْلى، ولم يمنع تأديته بالمعنى، مع أنه في نفسه مروي بالمعنى، فإنه روي (نَضَر) - مخففاً ومشدداً - وأنضر، ورحم.
  وأيضاً فإن ناقل معنى اللفظ الذي سمعه يصْدق عليه أنه مؤدٍ له كما سمع؛
(١) محمد بن سيرين الأنصاري، مولاهم، أبو بكر البصري، عن أنس مولاه وعمران بن حصين وخلق، وعنه الشعبي وقتادة والثوري وطائفة، وثقه ابن سعد والحاكم، توفي سنة عشر ومائة، وروى المنصور بالله أنه كان عدلي المذهب وصحح ذلك، احتج به الجماعة، وكان مشهورا بتعبير الرؤيا، وهو ممن بايع الإمام الحسن بن الحسن، وخرج معه. جداول.
(٢) أحمد بن علي بن الحسين بن شهريار، صاحب التصانيف، سكن أبوه مدينة نيسابور فولد بها أبو بكر، وعاش أربعا وخمسين سنة، ومات بالطابَران قصبة طوس سنة ٣٢٥.