[الدليل الثاني: السنة]
  والمتأول فاسق، فلا يقبل.
  ولقوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[هود ١١٣]، وقبول شهادتهم وروايتهم من أعظم الركون.
  وقال بعض أئمتنا $، وجمهور الفقهاء، والغزالي: يقبلان فيهما(١) إن كان من مذهبهما تحريم الكذب، لا كالخطابية والرافضية وبعض السالمية؛ احتجاجاً بإجماع الصدر الأول من الصحابة والتابعين على ذلك؛ للقطع بحدوث الكفر والفسق تأويلاً في آخر أيام الصحابة، كما روي أن أول من رأى الجبر من الجن إبليس، ومن الإنس معاوية(٢) - لعنهما الله تعالى. ومقتضى قوله تعالى حاكياً: {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا}[الأعراف ٢٨]، أنه حادث قبل، والله أعلم. وفي أيام(٣) الخوارج والبغاة المعلوم بالتواتر، والمعلوم من أحوالهم أن شهادتهم كانت تقبل، وأخبارهم لا ترد، ولو رد شيء من ذلك لنقل، كما نقل سائر الأحوال المتعلقة بمنازعة بعضهم لبعض، فلما لم ينقل رَدُّ شهادتهم وأخبارهم كان إجماعاً على قبولهما منهم.
  قلنا: أداءُ(٤) متأولٍ شهادةً أو خبراً عند مخالفه ممنوعٌ؛ لأنه لم يثبت أن أحداً من هؤلاء المتأولين أقام شهادة أو روى خبراً عند من يعتقد كفره أو فسقه، وظهر ذلك ظهوراً يقتضي أن ينقل ما وقع فيه من رد أو قبول، فقولُهم: لو رد شيء من ذلك لنقل - غيرُ صحيح؛ لأن وجوب نقله مترتب على وقوعه، فما لم يقع كيف يجب نقل قبوله أو رده؟
  ولو سُلِّم وقوعه فلا نسلم أن رده لم ينقل، كيف وقد روى مسلم في صدر صحيحه عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل
(١) أي: في الشهادة والخبر.
(٢) بعد موته ÷.
(٣) «وكفعل». نخ.
(٤) مبتدأ خبره: «ممنوع».