[الدليل الثاني: السنة]
  للنبيء ÷) وفيه أنه رد إلى الجهالة؛ لجهالة مقدار الطول، (متبعاً لشرعه): إمَّا في حياته، وهو قول أكثرهم؛ لأن الصحبة اللغوية(١) إنما تفيد الاتباع في حال الحياة فقط، [وهذا(٢)] بناء على الأغلب أن من صحب غيره يتبعه فيما يحب، وإلا ففي التحقيق أن الصاحب من كثرت ملازمته لغيره بحيث يريد الخير به ودفع المضار عنه وإن لم يتبعه في عقائده ودينه(٣).
  وإما في حياته وبعد مماته، كما هو رأي أقلهم؛ لأن هذا الاسم يفيد التعظيم، ولا يستحقه إلا من لا يتغير بعده.
  وظاهر المتن مع القول الأول؛ من حيث إن: «متبعاً» حال من المجالسة، وهي قيد في عاملها، وهو طول المجالسة، كما لا يخفى. فمن هذه حاله سمي صحابياً وإن لم يرو؛ لأنه لا يتبادر من قولك: «صحب فلان فلاناً» إلا طول المكث معه والمجالسة له، والاستكثار من موافقته؛ ألا ترى أنه لا يسمى من اختص ببعض العلماء صاحباً له إلا إذا فعل ذلك. قال الناطق بالحق أبو طالب(٤) #: ويبين صحة هذا أن الوافدين على النبيء ÷ لم يُعَدُّوا في جملة الصحابة؛ لَمَّا لم يلازموه ÷.
  وقال ابن الصلاح: روينا عن شعبة عن موسى السيلاني قال: أتيت أنس بن مالك فقلت: هل بقي من أصحاب رسول الله ÷ أحد غيرك؟ قال: قد بقي ناس من الأعراب قد رأوه ÷، أما من صحبه فلا؛ لأن أنس بن مالك آخر من مات من الصحابة، قيل: إنه بقي إلى زمن عبدالملك. وقيل: أبو الطفيل عامر
(١) أي: لأن الصحبة مأخوذة من اللغة، وهي إنما تفيد الاتباع في حال الحياة.
(٢) أي: التقييد بقوله: «متبعاً لشرعه». وما بين المعكوفين في نسخة.
(٣) «وقوله». نخ.
(٤) يحيى بن الحسين بن هارون #، ولد عام ٣٤٠ هـ، وقام بالأمر بعد وفاة الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون عام ٤١١ هـ، في زمن القادر العباسي، وقبضه الله إليه عام ٤٢٤ هـ وعمره ٨٤ سنة، ودفن بجرجان بطبرستان.