شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الأدلة الشرعية]

صفحة 127 - الجزء 1

  ولا عبرة بالاعتقاد؛ للإجماع على تصديق الكافر إذا قال: «الإسلام حق» مع مخالفته اعتقاده، وتكذيبه إذا قال: «الإسلام باطل» مع مطابقته لاعتقاده، فلو كان للاعتقاد أو عدمه مدخل في تحقق الصدق والكذب لم يصح ذلك⁣(⁣١).

  وأما قول عائشة وقد سمعت بخبر رواه بعض الصحابة: «والله ما صدق ولا كذب» فمعارض بما روي عنها - أيضاً - أنها قالت: «فلان يكذب ولا يعلم أنه يكذب⁣(⁣٢)»، على أنه يحتمل أنها أرادت: ولا كذب تعمداً⁣(⁣٣)؛ تحسيناً للظن بالراوي؛ جمعاً بين الأدلة.

  والخلاف في هذه المسألة والاحتجاج واسع مبسوط في المطولات، قال العضد: وهذه المسألة لفظية لا يجدي الإطناب فيها كثير نفع، انتهى.

  وفيه: أنه يترتب عليه أحكام للصدق والكذب متباينة، كالحسن والقبح، والتعليق لنكاح أو طلاق أو بيع أو غيرها على أحدهما.

  (ويسمى الخبر) عند النحاة (جملة) اسمية إن صدرت باسم، وفعلية إن صدرت بفعل، (وقضية) عند المناطقة؛ لأنه يقضى فيها بنفي أو إثبات. فإن كان الحكم فيها بثبوت شيء لشيء أو نفيه عنه⁣(⁣٤) فالقضية حملية، الأولى موجبة، والثانية سالبة.


= الدور لا غير.

(١) وهذا ظاهر في مثل «ضربت»، وأما في مثل «علمت» ففيه إشكال؛ لأن حصول العلم في النفس هو نفس اعتقادها حصوله ضرورة عدم امتناعها عن قبول ما اكتسبه العقل أو الحس أو الوهم، فقبولها هو نفس الاعتقاد، والاعتقاد هو نفس حصول العلم، فالاعتقاد هو نفس ما في الواقع. والجواب: أنا لا نحكم بصدق الخبر باعتبار مطابقته لما في النفس من حيث إنه اعتقاد، بل من حيث إنه الواقع، وكذا لو قال: «علمت» وليس في نفسه علم لا يحكم بكذبه من حيث كونه مخالفة لاعتقاد، بل من حيث كونه مخالفة لما في الواقع، ذكره بعض المحققين.

(٢) قال في المنهاج: فسمت من لم يعلم أنه كاذب كاذبا، وهذا نص على خلاف مذهب الجاحظ.

(٣) فأطلقت عامًّا وأرادت خاصًّا، وذلك شائع.

(٤) أي: حكم فيها بنفي شيء عن شيء.