[الدليل الثالث الإجماع]
  جعل شريحاً على ولاية القضاء، وكان يحكم باجتهاده في زمانه. وكذلك عمر، فإنه بعثه للقضاء في الكوفة، ولم يعترضاه فيما خالفهما فيه باجتهاده، إلى غير ذلك من الوقائع التي لا تحصى كثرة.
  فتسويغ(١) الصحابة اجتهاد غيرهم دليل اعتباره.
  وظاهر العبارة يشمل مجتهدي الجن، وهو خلاف الصحيح؛ لتعذر عرفان ما عندهم، وقد كلفنا العمل به، فيؤدي اعتبارهم إلى التكليف بما لا يطاق، ولا يجوز. وأما في حقهم فيعتبر مجتهدونا؛ لإمكان الاطلاع منهم.
  وقول بعض الشراح(٢): إن ظاهره يقضي بأنه لا ينعقد بدون أقل الجمع - فيه أنَّ «أل» جنسية مبطلة لمعنى الجمعية، كما ذكروا في: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران ١٣٤]، إلا أن لفظ: «اتفاق» مشعر بأنه لا ينعقد إلا باثنين فصاعداً، لكنه يكون حجة(٣) حيث لم يبق إلا مجتهد؛ لمضمون دليل الإجماع، وهو أنه لا يخرج الحق عن هذه الأمة، فلو لم يكن حقاً لخولف مضمون السمعي.
  (العدول) فلا يعتبر كافر التصريح وفاسقه، قال في الفصول: إجماعاً. وكذا المتأول عند جمهور أئمتنا $؛ ولذا أن الأمة إذا اختلفت على قولين ثم فسقت إحدى الطائفتين صار إجماعاً في الأصح، والله أعلم. ولعل تردد المصنف في قبول روايته يأتي هنا، والله أعلم.
  (من أمة محمد ÷) فيخرج المجتهدون من أرباب الشرائع السالفة، فهو
(١) أي: تجويز.
(٢) ابن حابس.
(٣) أي: فقول الواحد حجة. ولا يظن فيه كونه حجة أنه يسمى إجماعا؛ إذ لا يصدق تعريفه عليه، ولذا قال: «حجة»، ولم يقل: «إجماعا»، وإنما حجيته للدليل الدال على أن الحق لا يخرج عن هذه الأمة، فمع انحصار مجتهديهم عليه لو لم يكن حجة لخرج الحق عنهم، والحجة أعم من الإجماع، ولا يلزم من صدق الأعم صدق الأخص. فقوله: حجة لمضمون السمعي، وهو أنه لا يخرج الحق عن هذه الأمة وإن لم يوجبه صريحا؛ لعدم صدق سبيل المؤمنين واجتماع الأمة عليه.