شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[مقدمة المؤلف]

صفحة 15 - الجزء 1

  أما بعد، فإني لما رأيت الناسَ عالة⁣(⁣١) على الأصول؛ لجمعها المنقول والمعقول، وإقبالَهم على الكافل بنيل السؤل؛ لاختصاره وإيجازه، وجمعه نفيس درر المسائل وإحرازه - أحببت⁣(⁣٢) أن أعلق عليه ما به ينحل معقوده ومعانيه، ويتضح منضوده⁣(⁣٣) ومبانيه، وتحيا رسومه ومغانيه⁣(⁣٤)، ليس بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل، واضعاً كل شيء - إن شاء الله تعالى - في محله، مقتصراً على ما قصد غالباً⁣(⁣٥) من بيان المختار ودليله، مشيراً إلى دفع شبهة الخصم وتعويله، فالله أسأل أن يصلي ويسلم على نبيئنا محمد وآله، وأن ينفع به الطالب، ويسهله على الراغب، وأن يجعله لنا من السعي المشكور، الموجب للأجر الموفور، ومن التجارة الرابحة التي لن تبور، فإنه هو القدير الشكور، العزيز الغفور، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

  وهذا أوان الابتداء، والله المستعان في الابتداء والانتهاء.

  قال: ((⁣٦)) وجهُ البداية بالتسمية التَّأَسِّيْ بقولِه تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٢}⁣[الفاتحة]، وقولِه ÷: «كل أمر ذي بال لم يذكر اسم الله عليه فهو أبتر ...» الخبر المشهور⁣(⁣٧).

  ومعنى (ذي بال): مقصودٌ فعلُهُ، لا إن لم يكن مقصوداً كَطَرْفِ العين، والحركة اليسيرة.


(١) العالة - ومفردها: عائل - في الأصل: الافتقار، لكن لما عداه بـ «على» كان إخراجاً له عن أصله؛ فمعناه حينئذٍ: معتمدين.

(٢) جواب: «لما».

(٣) نَضَدَ متاعه يَنْضُدُهُ: وضع بعضه فوق بعض، ونَضَّدَهُ تنضيدًا أيضًا للمبالغة في وصفه متراصفًا، والتنضيد: المنضود. تمت مختار.

(٤) جمع مَغَنى، وهو الذي يُغَنَّى به.

(٥) أي: في غالب الأحوال.

(٦) الرحمن الرحيم: صفتان مشبهتان، من «رَحِمَ» بالكسر بعد نقله من «رَحُمَ» بالضم. وقيل: اسما مبالغة، ومعناهما: ذو الرحمة الكثيرة، وهي رقة القلب، وهذا المعنى لا يطلق على الله تعالى؛ ولكن المراد منهما الإحسان والإنعام، من باب المجاز المرسل، علاقته إطلاق السبب وإرادة المسبب. وقيل: هما حقيقتان دينيتان لله تعالى.

(٧) أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة.