شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الدليل الثالث الإجماع]

صفحة 141 - الجزء 1

  (ولا كونه لم يسبقه) أي: الإجماع (خلاف) مستقر من المجمعين أو من غيرهم، فإجماعهم وإجماع غيرهم على أحد قوليه أو أقواله أو على غيرها صحيح، ما لم يجمع أهل الخلاف على عدم جواز القول بغيرها، وإلا امتنع؛ لما سيأتي إن شاء الله تعالى من امتناع الإجماع بعد الإجماع على خلافه.

  وقال الأشعري وابن حنبل⁣(⁣١) والجويني⁣(⁣٢) والغزالي والصيرفي⁣(⁣٣): إنه يمتنع؛ لأن الخلاف السابق يتضمن الإجماع على حقية كل من أقواله، فلا تنقلب هي أو بعضها خطأ؛ إذ يعود ذلك على كون الإجماع حجة قطعية بالنقض.

  قلنا: لا نسلم تضمنه الإجماع، بل مسكوت عنه، وكل فرقة تجوز ما تقول وتنفي الآخر، ولو سلم فمشروط ألا يقع إجماع على خلافه. وأيضاً فإنه قد وقع، والوقوع فرع الجواز، فإنه ذكر في صحيح البخاري أن سعيد بن المسيب قال: اختلف علي وعثمان وهما بعسفان في المتعة، فقال علي #: ما تريد؟ أتنهى عن أمر فعله رسول الله ÷، فلما رأى ذلك⁣(⁣٤) علي # أهَلَّ بهما⁣(⁣٥) جميعاً. قال البغوي في شرح السنة: هذا خلاف محكي، وأكثر الصحابة على جوازها، واتفقت الأمة عليه. وقال أيضاً: اتفقت الأمة على جواز الإفراد والتمتع والقران.


(١) قلت: الظاهر أن هذا من ابن حنبل على جهة الفرض فقط؛ لقوله بامتناعه عادة، وكذا نقل عنه أنه قال: من ادعى وجود الإجماع فهو كاذب؛ لانتشار أهله في أقطار الأرض، أو خفاء بعضهم أو رجوعه قبل فتوى الآخر فبطل انعقاد الإجماع.

(٢) هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد أبو المعالي ابن الشيخ أبي محمد الجويني رئيس الشافعية بنيسابور، ولد في محرم ٤١٠ هـ أقعد مكانه للتدريس فكان يدرس ويخرج إلى مدرسة البيهقي حتى حصل أصول الدين وأصول الفقه على أبي القاسم الإسفراييني الإسكاف.

(٣) أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي مات سنة ٣٣٣ هـ وله مصنفات في أصول الفقه وغيرها.

(٤) أي: جوازه.

(٥) أي: بالعمرة والحج. حاشية بخاري.