شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

فصل: [الدليل الرابع القياس]

صفحة 173 - الجزء 1

  وأما الاستدلال بأدلة الاجتهاد كحديث معاذ وشريح فقد عرفت في مستند الإجماع أن في النسبة بينه وبين القياس ثلاثة مذاهب: الترادف، والتباين، والعموم المطلق من جانب الاجتهاد - فلا يستقيم إلا على الأول، لا الأخيرين، أما على التباين فظاهر، وأما على العموم - كما هو الحق - فلأنه لا دلالة للأعم على الأخص.

  و (بإجماع الصحابة) والتابعين؛ (إذ) تواتر عنهم أنهم (كانوا بين قائس) عاملٍ بالقياس راجع إليه عند عدم النص والإجماع متكرراً⁣(⁣١)، (وساكتٍ) عنه (سكوت رضًا) لم ينكره عليهم، والعادة تقضي بأن إجماع مثلهم في مثله لا يكون إلا عن قاطع، فيوجد قاطع على حجيته قطعاً.

  من ذلك: ما جاء في الصحيح أنه قيل لعمر: إن سَمُرة قد أخذ الخمر من تجار اليهود في العشور⁣(⁣٢) وخللها وباعها، قال: قاتل الله سمرة، أما علم أن رسول الله ÷ قال: «لعن الله اليهود حُرِّمت عليهم الشحوم فجَمَلوها⁣(⁣٣) وباعوها، وأكلوا أثمانها» قاس الخمر على الشحم في أن تحريمها تحريم لثمنها.

  ومنه: قياس بعض الصحابة تحريم الزوجة الآتي في شرح «ألا يرد فيه نص».

  ومن كتاب لعمر إلى أبي موسى الأشعري: ثم الفهم الفهم فيما أدي إليك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال والأشباه. رواه الدارقطني والبيهقي وابن عساكر.

  وروي أنه أمر شريحاً بأن يقضي بما استبان له من سنة رسول الله ÷، ثم بما استبان له مما أجمع عليه الناس قبله، ثم يجتهد رأيه ويؤامر جلساءه.


(١) صفة لمصدر محذوف، أي: عملا أو رجوعا.

(٢) أي: الجزية.

(٣) أي: أذابوها وجعلوها ودكاً.

* - الجميل: الشحم المذاب. مختار.