[المناسب]
  لقضاء العقل بانتفاء المصلحة حينئذ بالضرورة؛ ولذا لا يعد العقلاء تحصيل درهم واحد على وجه يستلزم فوات مثله أو أكثر مناسباً، بل يعدون المتصرف بذلك خارجاً بتصرفه عن تصرف العقلاء، كمن قال لعاقل: بِعْ هذا تربح مثل ما تخسر أو أقل منه.
  ومن أمثلته: ما يقال فيمن غص بلقمة مثلاً وخشي التلف ولم يجد ما يسوغها به إلا الخمر، فإن في تحريمه مناسبة لحفظ العقل كما تبين، ولكن يلزم من المناسبة حصول مفسدة، وهي هلاكه لو لم يشربها(١)، وهذه مفسدة أرجح من المصلحة؛ إذ حفظ النفس أولى من حفظ العقل.
[المناسب]
  (والمناسب) في الاصطلاح: (وصف ظاهر منضبط) يحترز بهما عن الخفي والمضطرب؛ لأن العلة مُعَرِّفَةٌ للحكم، فإذا كان الوصف خفياً أو غير منضبط لم يعرف هو في نفسه، فكيف يعرف به الحكم؛ لأن الخفي لا يُعَرِّفُ الخفي، (يقضي العقل بأنه الباعث على الحكم) احتراز عن الشبه. وهو تعريف للشيء بنفسه(٢)؛ لأن المناسب وصفٌ للوصفِ المحذوف.
  وقال أبو زيد الدَّبوسي(٣) الحنفي: هو ما لو عرض على العقول لتلقته بالقبول. وهو قريب من الأول، إلا أنه لا يمكن إثباته في المناظرة؛ إذ قد يقول الخصم: لا يتلقاه عقلي بالقبول، وتَلَقِّي عقلكَ له بالقبول لا يصيره حجة عليَّ، وبه يقول أبو زيد(٤)، بخلاف الأول، فإنه يمكن إثباته، كالإسكار في تحريم الخمر.
(١) «يشربه». نخ
(٢) لأن المعنى: الوصف المناسب وصف. وهو تعريف للوصف بالوصف.
(٣) اسمه عبد الله بن عمر بن عيسى القاضي صاحب كتاب الأسرار والتقويم، قال السمعاني: كان من كبار فقهاء الحنفية ممن يضرب به المثل، توفي ببخارى سنة ٤٣٠ هـ.
(٤) يعني أنه قائل بامتناع التمسك بالمناسبة في مقام المناظرة وإن لم يمتنع في مقام النظر؛ لأن العاقل لا يكابر نفسه فيما يقضي به عقله. ذكره سعد الدين.