[المناسب]
  فإن قيل: الإسكار غير منضبط؛ لأن منه ما يبقى معه رَشَدٌ، ومنه ما لا يبقى معه.
  أجيب: بأن العلة هي الإسكار الذي لا يبقى معه رَشَدٌ بالقوة التي هي وصف المسكر.
  فإن قيل: فعلى هذا لا يحرم قليله؛ إذ لا قوة فيه على الإسكار، كما أن سير دون البريد لا يثبت له حكم السفر.
  أجيب: بأنما حُرِّم سداً للذريعة، وذلك بدليل آخر(١) غير العلة.
  (فإن) اختل أحدُ القيدين الأوَّلين: بأن (كان خفياً) كالرضا في المعاملات، والعمدية في الجنايات (أو غير منضبط) كالمشقة في ترخيص المسافر (اعتبر) وصف ظاهر منضبط يوجد الوصف الذي يقضي العقل ببعثه على الحكم لوجوده، وهو (مُلاَزَمُه) ملازمة عقلية أو غيرها(٢)، كلية أو غالبة(٣)، (و) هو (مظنته، كا) لإيجاب والقبول في المعاملات، واستعمال الجارح في المقتل، و (السفر) نفسه (للمشقة) المناسبة لحكم القصر تحصيلاً لمقصود التخفيف، ولا يمكن اعتبارها بعينها؛ لأنها غير منضبطة؛ لكونها ذات مراتب تختلف بالأشخاص والأزمان، ولا يناط الحكم بالكل، ولا يمتاز البعض بنفسه؛ فنيط الحكم بما يلازمه، وهو السفر.
  واعلم أن المناسب معتبر عند أئمتنا $ والجمهور؛ إذ لا نعني بالمناسبة إلا ما يتحرك الظن بكونه وجه المصلحة، فإذا ثبت أن العمل على غالب الظن هو ثمرة القياس فقد لزم العمل على المناسب.
(١) وهو ما رواه في مجموع زيد بن علي #: «ما أسكر كثيره حرم قليله». منه.
(٢) عرفية أو عادية. قوله: «عرفية» كملازمة استعمال الماء في الطهارة لإزالة النجاسة لما التفت إليها الشارع.
(٣) قوله: «كلية أو غالبة» أي: يكون ترتيب الحكم عليه محصلا للحكمة دائما أو غالبا. شر غاية. كالرضا في العقود، كما لو علل المستدل صحة البيع بالرضا فإن الوصف خفي؛ لأنه من الأمور الباطنة التي لا يطلع عليها بأنفسها، فنيط الرضا بصفة ظاهرة تدل عليه عادة كصيغ العقود من الإيجاب والقبول الدالة على الرضى لملازمته.