[الملائم المرسل]
  البيت # وشيعتهم، ومنعوا من مصالحتهم ومخالطتهم؛ لأن في ذلك الظفر بمطلوبهم؛ لما هيأوا من الإشكالات والإيهامات التي إذا أوردوها على المسلمين لا يكاد ينجو منها إلا متبحر في علم الكلام، كما روي عن المطرفية والباطنية.
  فإذا كانت هذه حالهم فنطقهم بالإسلام لا يفيد الإسلام، فنجريهم على كفرهم قبل التوبة. وليس كذلك حال سائر فرق الكفر، سيما العرب، فإنهم كانوا يمتنعون من الإسلام ويكرهون(١) التدين بالكذب، ويرون بذل المهج(٢) في إظهار ما يبطنونه؛ ولذا قيل: لما أَسَرَتْ خيلُ رسول الله ÷ ثمامةَ بن أَثَال الحنفي قال ÷: «أحسنوا أساره»، ولما رجع رسول الله ÷ إلى أهله قال: «اجمعوا ما كان معكم من طعام وابعثوا به إليه»، وأمر بلقحة يغدى عليه بها ويراح، وهو ÷ يعالجه ليسلم، ويأتيه ÷ ويقول: «أسلمت يا ثمامة؟» فيمتنع ويصد، وقال: يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن ترد الفداء فاسأل ما شئت. فمكث ثمامة في الأسر مدة ثم أطلقه ÷، فلما أطلقوه خرج إلى البقيع فتطهر وأحسن طهوره، ثم أقبل فبايع النبيء ÷ على الإسلام(٣)، فهذه كانت طريقة أولئك؛ فلهذا قبل منهم إظهار الإسلام، وجاز موادعتهم ومصالحتهم.
= وغيره، توفي سنة ٦١٤ هـ وقبره بظفار مشهور مزور.
(٤) هو الشيخ أحمد بن محمد الرصاص المعروف بالحفيد صاحب جوهر الأصول في أصول الفقه، سبقت ترجمته.
(١) «وينكرون». نخ.
(٢) النفوس.
(٣) وروي أنه لما دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والله يا محمد ما كان على وجه الأرض أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره النبيء ÷ وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت؟ فقال: لا، ولكن أسلمت مع رسول الله ÷، ووالله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله ÷، وكان ثمامة هذا من رؤساء بني حنيفة، وهو أول من دخل مكة ملبياً بالتوحيد، وفي ذلك يقول شاعر بني حنيفة مفتخراً:
ومنا الذي لبى بمكة معلناً ... برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم
ولما توفي النبيء ÷ وارتدت بنو حنيفة قام فيهم مقاماً حميداً، وأطاعه منهم ثلاث آلاف فانحاز بهم إلى المسلمين، وذكر أن أمير السرية التي أسرته العباس بن عبدالمطلب ¥. ذكر معناه في البهجة.