شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الاستدلال]

صفحة 265 - الجزء 1

  العدد حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، والتحنث: التعبد وتجنب الحنث⁣(⁣١). وكان ÷ يحج، ويقف مع الناس بعرفات، ولا يقف مع الْحُمس⁣(⁣٢) والحج كانت العرب تطوف فيه⁣(⁣٣). وفي السيرة أنه كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره - يعني في غار حراء - الكعبة قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعاً أو نحواً من ذلك.

  وكان ÷ يأكل المذكى، ويركب، ففي حديث جبير بن مطعم قال: لقد رأيت رسول الله ÷ قبل أن ينزل عليه الوحي وإنه لواقف على بعير له بعرفات مع الناس من بين قومه حتى يدفع معهم منها، فقلت: هذا رجل أحمس، فما باله لا يقف مع الحمس حيث يقفون⁣(⁣٤).

  وحل الركوب⁣(⁣٥) إنما طريقه الشرع.

  وأيضاً فقد ثبت أن دعوة الأنبياء $ عامة إلى جميع الخلق؛ فيجب دخوله في ذلك، وهذا يوجب كونه متعبداً بشريعتهم.

  قلنا: لم ينقل ذلك إلا بالآحاد، ولا يعمل بها في مسائل الاعتقاد كما سبق. وأكل المذكى يستحسنه العقل⁣(⁣٦) إذا ذكاه غيره؛ إذ ينتفع به بلا ضرر عاجل ولا آجل.

  واستعمال البهائم غير المجحف بها مع تحمل علفها والقيام بمصالحها يجري


(١) وهو الإثم بعبادة الأصنام وغيرها.

(٢) هم قريش كان لهم في الوقوف والإفاضة أمور يختصون بها من بين الناس كما ذلك معروف.

(٣) وقد ثبت أنه ÷ كان يحج مع الناس فثبت طوافه كما كانوا يفعلون. سيلان.

(٤) وذلك لما كان عليه الحمس من الترفع على الناس والتعالي عليهم، وتعظمهم عن أن يساووهم في الموقف، وقولهم: نحن أهل الله وقطان حرمه، فلا نخرج منه، ويقفون بجمع والناس بعرفات. القطان في القاموس: وقطن فلانا خدَمَه فهو قاطن جمعه قطان. وجمع بلا لام المزدلفة. منه.

(٥) فيندفع بهذا ما ذكره أصحابنا من أن العقل يستحسن تحميلها المشقة إذا قوبلت بنفع يجبرها ويزيد، وقال في القسطاس: ولأن المعلوم من حال الرسول ÷ فعل ذلك لا لنفعها، بل لمجرد الرفاهية عن السير وغير ذلك فيما يعود نفعه إليه، وقد كانت له قبل البعثة تجارات وأسفار يركب فيها الحيوانات لأغراضه الخاصة، وهذا أمر ظاهر لا يدفع.

(٦) «العقلاء». نخ.