[الاستدلال]
  مجرى تدبير ولي الصبي لأمره؛ فلا يحتاج إلى السمع. وأما الحج والاعتمار والطواف فلا يقبح عقلاً؛ لأنه يجوز أن يفعله لغرض صحيح من الاسترواح وتقوية البدن، ولو سلم قبحه لم يقطع بكِبَره، والنبيء إنما تجب عصمته عن الكبائر قبل البعثة وبعدها.
  وعموم دعوة الأنبئاء غير مسلم، ولو سلم فأين الطريق إلى ذلك؟! ولذا قال أئمتنا وجمهور المعتزلة وبعض الفقهاء: (المختار أن النبيء ÷ لم يكن قبل البعثة متعبداً بشرع) من شرع من قبله من الأنبئاء $، ولا يجوز أن يعلمه بالأخبار؛ لعلمه باختلافِ اليهود والنصارى، ونفيهم الوحدانية عن الله تعالى، وتحريفهم الكتابين من زمن داود وعيسى كما نطق به القرآن(١)، ولعدم مخالطته وسؤاله إياهم؛ إذ لو كان لنقل كما نقل سائر أحواله ÷، ولكان من أعظم المنفرات عنه.
  والتحريف وإن لم يكن في جميع الكتب المنزلة فجهلُ موضع المحرف يمنع الاستدلال بجميعه، كاشتمال كتابِ حديثٍ على حديثٍ موضوع مجهول موضعه.
  وأيضاً قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}[الشورى ٥٢]، أي: ما كنت تدري بذلك لولا ما أوحينا إليك، فدل على أنه لم يكن متعبداً بشريعة قبل شريعته ÷. والمراد بالإيمان قبل الوحي: التصديق بالشرعيات والكتب المتضمنة لها، لا أن المراد به التصديق بالربوبية والإقرار بالوحدانية، فهو ÷ كان منطوياً على ذلك من لدن كمال عقله، ولا بد وأن يقوم بما كُلِّفَه من ذلك بالدلالة العقلية.
  وفائدة هذه المسألة علمية، وهي العلم بما كان عليه من الأعمال والتكليف قبل البعثة، فجرى ذلك مجرى العلم بأحواله قبل البعثة، ولا يتعلق بنا من ذلك تكليف.
(١) احتج بعضهم بقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ..} الآية [المائدة ٧٨]، فينظر في وجه دلالتها، أو آية أصرح منها.