[خاتمة]
  (والمختار أن كل ما ينتفع(١) به من غير ضرر عاجل ولا آجل) على أحد كالتمشي في البراري والتظلل تحت أشجارها والشرب من أنهارها (فحكمه الإباحة عقلاً) حتى يرد حاظر شرعي. (وقيل): بل حكمه (الحظر)؛ لأن ذلك تصرف في ملك الله بغير إذنه؛ لأنه المفروض، فيقبح، ولا يبيحه إلا الشرع.
  قلنا: لا نسلم قبح التصرف في ملك الغير مطلقاً، وإنما يقبح لو ضر المالك، لكنه فيما نحن فيه منزه عن الضرر.
  (وبعضهم توقف) عن القول بأن إدراكه حاظر أو مبيح؛ لعدم دليله.
  (لنا) على المذهب المختار: أن ذلك نفع لم يَشِبْه مضرة، و (أنا نعلم) قطعاً (حسن ما ذلك حاله) من الانتفاع (كعلمنا بحسن الإنصاف) والإحسان (وقبح الظلم)، فإن الناس طراً يجزمون بقبح الظلم والكذب الضار، ويذمون عليه، وليس ذلك بالشرع؛ إذ يقول به المتشرع وغيره من منكري الشرائع، ويعترف به قطعاً، ولا بالعرف؛ لاختلافه باختلاف الأمم، وهذا لا يختلف، بل الأمم قاطبة متفقون عليه. واختلاف الأبدان والأديان والأخلاق والأقطار والأزمان يمنع تجويز عرف عام يكون مبدأً لذلك الجزم المشترك عادة.
  وهكذا العدل والإنصاف والصدق النافع، فإن الناس طراً يجزمون بحسنها واستحقاق المدح عليها، كل ذلك يدركه العقل بديهة، والمنع مكابرة صريحة عند الإنصاف.
  وأما الأشاعرة فيقولون: لا حكم قبل الشرع، وقد روى الباقلاني عن بعض الأشاعرة مثل هذه الأقوال الثلاثة، ووهمه صاحب الجمع والمحلي، تأمل، (والله أعلم) من كل أحد، فهو المحيط بكل شيء علمه، وهو العليم وكل خير حكمه.
  وبتمام هذا الكلام تم ولله الحمد الجزء الأول
  ويليه الجزء الثاني، وأوله الباب الثالث في المنطوق والمفهوم
(١) «بالتصرف». نخ.