[أقسام مفهوم الموافقة]
  ولذلك كانت أوضح من التصريح بحكم غير المذكور؛ ألا ترى أنه إذا قال قائل: «لا تعطه مثقال ذرة» كان أبلغ في فهم المنع مما فوق المثقال من التصريح به قطعاً، وليس ذلك من القياس الذي جعله الشارع حجة؛ لِأنه يعرفه كل من يعرف اللغة من غير افتقار إلى نظر واجتهاد، بخلاف القياس الشرعي(١).
  قال الجويني في البرهان: والخلاف لفظي. وقال غيره: إنه معنوي؛ لأن من فوائده أَنَّا إذا قلنا ليس قياساً جازَ النسخ به، وإِلَّا فلا عند من نفى النسخ به على الإطلاق(٢).
  (و) لموافقته لحكم المذكور كذلك(٣) (يسمى بمفهوم الموافقة، وهو أن يكون(٤) المسكوت عنه موافقاً للمنطوق به في الحكم(٥)).
[أقسام مفهوم الموافقة]
  ثم هذا نوعان؛ لِأنه إما أن يكون الحكم في غير المذكور أولى منه في المذكور أوْ لا.
  (فإن كان فيه) أي: في المسكوت عنه (معنى الأولى) بأن كان ثبوت الحكم فيه أولى من ثبوته في المنطوق (فهو) المسمى في الاصطلاح (فحوى الخطاب، نحو) قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}[الإسراء: ٢٣]، فإنه) أي: هذا الكلام، أو تحريم التأفيف المنطوق به (يدل على تحريم الضرب) المفهوم منه (بطريق الأولى)؛ إذ هو أشد مناسبة من تحريمه؛ إذ الأذية فيه أبلغ، والمراد المنع منها، وهما متفقان في الحكم، وهو التحريم. وكالجزاء بأكثر من مثقال ذرة، فإنه أولى وأشد مناسبة للجزاء منه بمثقالها المذكور في قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}[الزلزلة].
(١) ومما يدل أيضاً على أنه ليس بقياس: أنه يقول به نفاة القياس. حاشية الغاية.
(٢) يعني لا ينسخ قياساً ولا غيره.
(٣) أي: نفياً وإثباتاً.
(٤) أي: المفهوم من اللفظ.
(٥) أي: المذكور.