فصل: [في المفهوم]
  أما الأولى(١): فلأن أبا عبيدة مَعْمَر بن المثنى وتلميذَه أبا عبيد القاسم بن سَلَّام - وهما من أئمة اللغة - فهما ذلك، وقالا في قوله ÷: «لَيُّ(٢) الواجد يُحلُّ عرضَه وعقوبتَه» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث وَبْر بن أبي دُلَيْلَة عن محمد بن ميمون بن(٣) مسيكة: إنه يَدل على أن لَيّ غير الواجد لا يُحل عرضَه وعقوبَته.
  وقَالا في قوله ÷: «لَأن يمتلئَ جوفُ أحدِكم قيحاً خَيرٌ له مِن أنْ يمتلئَ شِعْراً» رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص، والبخاري عن ابن عمر، وأبو داود بإسناد على شرطهما عن أبي هريرة، لَمَّا قيل إن المرادَ بالشعر هنا: الهجاء مطلقاً أو هجاء الرسول ÷ خاصة: لَوْ(٤) كان كذلك(٥) لم يكن لذكر الامتلاء معنى؛ لأن قليله وكثيره سواء. فجعلا الامتلاء من الشعر في قوة الشعر الكثير، فَفهما منه أن غيرَ الكثير ليس كذلك، فألزما مِن تقدير الصّفةِ المفهومَ، فكيف لو صرح بها؟
  قال أبو علي اللؤْلُؤي: بلغني عن أبي عبيد أنه قال: وجهه أن يمتلئ قلبه حتى يشغله عن القرآن وذكر الله تعالى، فإن كان القرآن وذكر الله تعالى هو الغالب فليس جوف هذا عندنا مملوءاً من الشعر(٦)، والله أعلم.
(١) ليست هذه هي الأولى؛ لأن الأولى هي المقدم والتالي، وأيضاً فإنه لم يذكر الثانية. وعبارة شرح الغاية: أما الأولى فظاهرة؛ لاستحالة فهم اللغوي من اللفظ ما لا دلالة له عليه، وأما الثانية فلأن أبا عبيدة ... إلخ.
(٢) أي: مطله.
(٣) عن أبي.
(٤) مقول قوله: قالا.
(٥) أي: مراداً به الهجاء.
(٦): وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ÷: «من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار» وقلت: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، وهذا مصير منه إلى القول بالمفهوم؛ لأن الجملة حالية، فتدل على نفي الحكم عما هو صفة له في اللفظ، لا عن كل ما يتصف به في المعنى، =