شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الباب الأول: في بيان الأحكام الشرعية]

صفحة 31 - الجزء 1

  فإن قلت: حصر الكل في الأجزاء لا يتصور؛ لأن الحصر هو جعل الشيء في محل محيط به، فالمحيط حاصر، والمحاط به محصور مظروف، وشأن الكل مع أجزائه على العكس، فإن الكل يحيط بالأجزاء، فكيف يكون محصورا فيها؟

  أجيب: بأن المراد من المختصر هو المفهومات، ومن الأبواب العشرة هو العبارات؛ بناء على أن الألفاظ قوالب المعاني وظروفها. ويجوز أن يكون المراد من الانحصار المذكور هاهنا هو انحلال الكل إلى ما منه تركيبه⁣(⁣١).

  ثم لما ذكر الأبواب أولا أراد أن يعيدها على سبيل التعريف العهدي فقال:

[الباب الأول: في بيان الأحكام الشرعية]

  (الباب) في الأصل: بَوَبٌ، تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فقلب ألفاً؛ بدليل تصغيرِه⁣(⁣٢) على بويب، وتكسيرِه على أبواب. وهو لغة: معروف. واصطلاحا: اسم لجملة من الكتاب مشتملةٍ على عبارات معينة محدودة دالةٍ على معانٍ مخصوصةٍ بفصول غالبا.

  (الأول) من أبوب الكتاب، قال الزجاج: الأول لغة: ابتداءُ الشيء، ثم يجوز أن يكون له ثانٍ وأن لا يكون، نقله عنه جماعة منهم الواحدي في التفسير، والله أعلم.

  (في) بيان (الأحكام)، وإنما قدمها على الأدلة لأن الدليل من حيث هو دليل يتعذر إثباتها به مع جهل ماهيتها.

  (الشرعية) المنسوبة إلى الشرع المستفادة منه، إما بنقله لها عن حكم العقل، كإباحة ذبح بعض الحيوانات، فإن قضية العقل فيه التحريم⁣(⁣٣)، أو بالإمساك عنه، كتحريم ذبح الخنزير، فإنه مقرر لحكم العقل مع صحة⁣(⁣٤) النقل.


(١) قلت: وأما ما يقال من أنه يجوز أن يراد من الانحصار هنا انحصاره باعتبار أجزائه منها - ففيه أنه يلزم - حينئذٍ - اتحاد الظرف والمظروف، فتأمل، والله أعلم. منه.

(٢) والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها.

(٣) ووجه قبحه عقلا كونه إضرارا به، لكن بشرط كون ذلك الإضرار خالصا عن جلب نفع لها، حتى لو زال الشرط زال القبح؛ لزوال الوجه بزوال شرطه، فنقول: لما أذِنَ الشارع بذبحها علمنا أنه قد =