شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الفرق بين الحقيقة والمجاز]

صفحة 62 - الجزء 2

  الصارفة دون الآخر، أو توقفه⁣(⁣١) على تحقق العلاقة، أو (بعدم اطراده) بأن يستعمل اللفظ لوجود معنى في محل ولا يجوز استعماله في محل آخر مع وجود ذلك المعنى فيه، كالنخلة تطلق على الإنسان لطوله، ولا تطلق على طويل⁣(⁣٢) غير إنسان كالحبل مثلاً.

  وفيه: أن في الحقيقة ما لا يطرد، كالقارورة لا تطلق إلا على ما يُستقر فيه من الزجاج⁣(⁣٣).

  (و) يتميز أيضاً بظهور (صدق نفيه) أي: نفي المعنى الحقيقي عن المعنى المستعمل هو فيه عند العقل وفي نفس الأمر، كقولك للبليد: ليس بحمار؛ فهذه علامة لكون اللفظ مجازاً، وعدم صدق النفي علامة لكونه حقيقة.

  وفيه: أنه يستلزم الدور؛ إذ لا يصح نفيه إلا إذا عُرفَ أنه مجاز فيه، والمفروض أنه لا يُعرفُ كونُه مجازاً إلا بصحة نفيه.

  والتقييدُ بـ: «عند العقل»، و «في نفس الأمر» يدفع نحو: ما أنت إنسان⁣(⁣٤) لصحته لغة وعرفاً عن الفاقد بعض الصفات الإنسانية المعتد بها كالبليد؛ بناءً⁣(⁣٥) على اعتبارات خطابية، والله سبحانه أعلم.

  (وغير ذلك) مما يتميز به أحدهما عن الآخر، مثلُ: سَبقِ فهم أحد من أهل اللغة إلى أحد المعنيين بدون قرينة؛ فإنه يدل على أن اللفظ حقيقة، كما روي أن رسول الله ÷ لمّا سمع قول العباس بن مرداس:

  أيقسم نهبي ونهبي العُبَيْـ ... ـد بين عيينة والأقرع⁣(⁣٦)


(١) كأن يقولوا: استعمال هذا اللفظ في هذا المعنى يتوقف على علاقة. شرح غاية

(٢) آخر.

(٣) أي: والدّن والكوز مما يستقر فيه الشيء، ولا يسمى قارورة.

(٤) أي: فإنه قد صح النفي مع أن قولنا: أنت إنسان حقيقة؛ وذلك لأن النفي لم يكن عند العقل وفي نفس الأمر بل باعتبار فَقْد بعض الصفات الإنسانية كالبليد. أي: لا تكون يقينية بل لاعتبارات ظنية في متعارف الناس ومخاطباتهم كمواعظ الوعاظ. سيلان

(٥) علة لصحته لغة.

(٦) العبيد: اسم فرس، وعيينة بن حصين، والأقرع بن حابس.