شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[ورود الأمر مطلقا هل يفيد المرة أو التكرار]

صفحة 73 - الجزء 2

  فهذه خمسة عشر معنى غير الإيجاب تطلق عليها صيغة الأمر، وقد أبلغها في جمع الجوامع إلى ستة وعشرين⁣(⁣١).

[ورود الأمر مطلقاً هل يفيد المرة أو التكرار]

  واعلم أن الأمر إذا ورد مطلقاً عما يقيد به من مرة أو تكرار أو علة أو شرط أو صفة أو غير ذلك فقد اختلف فيه، هل يفيد تكراراً أو لا؟

  فقال أبو طالب #، وأبو علي الجبائي، وأبو هاشم، وأبو عبدالله البصري، وكثير من الشافعية، وقدماء الحنفية: إنه موضوع للمرة، ولا يستفاد منه التكرار إلا بقرينة.

  وقال أبو إسحاق الإسفرائيني، وجماعة من الفقهاء والمتكلمين، واختاره الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد #: إنه موضوع للتكرار مدة العمر فيما يمكن، فتخرج أوقات ضروريات⁣(⁣٢) الإنسان.

  (والمختار) عند الجمهور (أنه لا يدل) بوضعه وصيغته (على المرة ولا على التكرار)؛ لأن مدلول صيغته طلبُ ماهية الفعل، وهما خارجان عنها؛ للجزم بأنهما من صفات المصدر⁣(⁣٣) كالقليل والكثير، ولا دلالة للموصوف على الصفة المعينة، فلا يتقيد بأحدهما دون الآخر، بل يحصل الامتثال مع أيهما حصلت، إلا أنه لا يمكن إدخال تلك الماهية في الوجود بأقل من مرة، فصارت المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به؛


(١) والذي زاده على ما ذكرناه: تذكير النعمة، نحو: {كلوا من الطيبات}، والتفويض، نحو: {فاقض ما أنت قاض}، والتعجيب، نحو: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال}، والتكذيب، نحو: {فأتوا بالتوراة} والمشورة، نحو: {فانظر ماذا ترى}، والاعتبار، نحو: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر}، وإرادة الامتثال، كقولك لآخر: اسقني ماءً، والإذن، كقولك لمن طرق الباب: ادخل. وزاد بعضهم: التلهيف، نحو: {قل موتوا بغيظكم}، والتصبير، نحو: {فمهل الكافرين}⁣[ {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا} {ذرهم يخوضوا ويلعبوا} ]، والالتماس، كقولك لمن يساويك: افعل كذا، والله أعلم.

(٢) كقضاء الحاجة والنوم وتناول الطعام والشراب ونحو ذلك.

(٣) لأنك تقول: اضرب ضرباً قليلاً أو كثيراً مكرراً أو غير مكرر فيتقيد بصفاته المنوعة المتقابلة.