شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[عدم جواز تأخير البيان والتخصيص عن وقت الحاجة]

صفحة 160 - الجزء 2

  {وَآتُوا الزَّكَاةَ}⁣[البقرة ٤٣] لا يفهم منه مقدار الواجب وصفته في النقود والمواشي وغيرها من أموال الزكاة، فبين النبي ÷ ذلك شيئاً فشيئاً على التدريج.

  ولأنه نزل قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}⁣[الأنعام ١٤١] في مكة، وقدر الحق مجمل، ولم يبين إلا حين بينت الزكاة في المدينة.

  (و) إذا تقرر ذلك وسمع المكلف دليلاً مجملاً أو عاماً أو مطلقاً فإنه يجب (على) ذلك المكلف (السامع) لذلك الدليل (البحث) عن المبين والمخصص والمقيِّد في مظانه حتى يجده أو يظن عدمه كما سبق وسيأتي إن شاء الله تعالى.

  (ولا يجوز ذلك) التأخير (في الأخبار)؛ إذ السامع إذا أخبر بعموم اعتقد شموله؛ فيكون إغراءً بالجهل؛ فيقبح، وإذا أخبر بمجمل يكون عبثاً؛ إذ فائدة الإخبار الإفهام، ولا إفهام في المجمل.

  وأجيب بأن المخاطب بالعام ممنوع عن اعتقاد شموله حتى يقع البحث عن مخصصه - كذلك - فلا يجده، وأما الخطاب بالمجمل ففائدته توطين النفس على الامتثال متى بين.

  وبالوقوع، كما روي عن ابن عباس أنه قال: إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأةً يقال لها أم كحة، وثلاثَ بنات له منها، فقام ابنا عم الميت ووصياه⁣(⁣١) سويد وعَرْفُجَة فأخذا ماله، ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً، وإنما يورثون الرجال، وكانوا يقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وذاد عن الحوزة، وحاز الغنيمة، قال: فجاءت أم كحة إلى رسول الله ÷ فقالت: يا رسول الله، إن أوس بن ثابت مات وترك علي بناتٍ وأنا امرأته، وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالاً حسناً، وهو عند سويد وعرفجة، ولم يعطياني ولا بناتي


(١) لعله عطف تفسير.