شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الخلاف في جواز النسخ قبل التمكن من فعل المنسوخ]

صفحة 182 - الجزء 2

  وقولُهم: لو كان موسعاً لأخر الإقدام والترويع رجاء أنه ينسخ أو يموت⁣(⁣١)، فمثله من عظائم الأمور يؤخر عادة - ممنوعُ الملازمة؛ فإن الأنبياء $ إنما يستبعد منهم عدم المسارعة إلى الامتثال، فكثير من مثله التراخي إلى أن يمضي من الوقت ما يسع الفعل.

  ولو سلم فلا نسلم عدم التأخير؛ لجواز أن يكون الإقدام والترويع في آخر أوقات الإمكان، والتقديم⁣(⁣٢) غير معلوم، فالنسخ بعد التمكن، وامتناعه لمانع خارجي.

  وأما حديث المعراج فإنه يستلزم النسخ قبل بلوغه المكلفين⁣(⁣٣) وعقد قلوبهم على الامتثال، ولا قائل⁣(⁣٤) به، فيجب تأويله بأن المراد⁣(⁣٥) من فرض الخمسين: أن المفروض من الصلوات الخمس ثوابه ثواب الخمسين، وبيّن ذلك الاقتصارُ⁣(⁣٦) على الخمس قبل وقت الإمكان.


(١) أي: إبراهيم # لكبر سنه فيزول عنه التكليف. من غاية الوصول للحلي.

(٢) أي: تقديم هذا الفعل على آخر أوقات الإمكان.

(٣) أي: قبل علمهم بأنهم مكلفون بالخمسين صلاة، ومن شرط التكليف علم المكلف بما كلف به، والنسخ فرع ثبوت التكليف، وقوله: وعقد قلوبهم على الامتثال؛ فلا تحصل فائدة التكليف التي ادعاها المخالف وهي العزم على فعل ما كلف به. سيلان.

(٤) ويستلزم أن يكون موسى أعلم بالمصالح من الله تعالى عن ذلك حيث قال: إن أمتك لا تطيق ذلك، وتجويز الكبائر على الأنبياء $ حيث جوزوا على الله تعالى أن يتعبد بما ليس فيه مصلحة فشفعوا في إسقاطه، أو أنهم علموا أنه مصلحة فشفعوا في إسقاطها. ويستلزم تجويز الجور على الله تعالى حيث أمر بما لا يطاق. وأيضاً فإن حديث المعراج وإن كان قطعياً جملة فهو ظني التفصيل، وهذا من الظني لا تثبت به الاعتقاديات والله أعلم. وقال السهيلي: إنما نسخ التبليغ عن الرسول ÷، وأما أمته فلم ينسخ عنهم حكم.

(٥) فيكون المراد بأنه تعالى فرض على الأمة خمسين أنه جعل ثواب الخمسين للخمس وهذا اللفظ مجمل في تأدية هذا المراد، لكن قد بين بالاقتصار على الخمس في قوله: «هي خمس وهن خمسون» وهذا البيان قبل وقت الإمكان، أي: قبل بلوغ فرض الخمس على المكلفين وهو جائز، إنما الممتنع النسخ قبل وقت الإمكان لا البيان قبله، وحينئذ فلم يفرض قدر الخمسين حتى يلزم النسخ قبل الإمكان. سيلان.

(٦) في شرح الغاية وحاشية سيلان: بالاقتصار.