شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[هل الزيادة على العبادة نسخ لها]

صفحة 183 - الجزء 2

  ويتأيد هذا التأويل بأن حديث المعراج متأخر عن شرع الصلاة، فإن المشهور أن رسول الله ÷ وأصحابه كانوا يصلون الخمس قبل ذلك بمدة مديدة.

  فإن قيل: إن ذلك⁣(⁣١) يشتمل على فائدة التكليف التي هي الابتلاء، فيصير مطيعاً عاصياً بالعزم على الفعل والترك، فيكون أسبق الخطابين موجهاً إلى العزم والآخر إلى الفعل، فلم يتواردا على محل واحد، فلا يؤدي إلى ما ذكرتم.

  أجيب بأن وجوب العزم فرع وجوب المعزوم عليه، فإذا لم يجب لم يجب، فلا يطيع ولا يعصي به، سلمنا فالتعبير عن العزم بالفعل إلغاز وتعمية؛ إذ لم يوضع له، ولا قرينة تدل عليه، ولو سلم⁣(⁣٢) لم يكن من النسخ في شيء؛ لاختلاف المتعلَّقَين⁣(⁣٣).

[هل الزيادة على العبادة نسخ لها]

  (والزيادة على العبادة) إن لم يكن لها تعلق بالمزيد عليه كصلاة سادسة فليست بنسخ اتفاقاً، إلا ما يحكى عن بعض العراقيين من الحنفية؛ لأنها⁣(⁣٤) تخرج الوسطى عن كونها وسطى؛ فيبطل وجوب المحافظة عليها الثابت بقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى}⁣[البقرة ٢٣٨].

  قلنا: بناء على أنها إنما سميت وسطى باعتبار كونها متوسطة بين أربع، وهو ممنوع، ولو سلم فالزيادة إنما تبطل كونها وسطى، وإبطال وصف الوسطى لا يبطل الصلاة الموصوفة بالوسطى، فليس المبطل حكماً شرعياً.

  وإن كان لها تعلق به فإن لم يحصل شرط النسخ - بأن كانت مقارنة له في خطاب واحد كغسل الأيدي بعد الوجه في آية الوضوء، أو كانت الزيادة واجبة


(١) أي: نسخ الشيء قبل إمكان فعله.

(٢) أي: ولو سلم أن التعبير عن العزم بالفعل ليس بإلغاز لوجود القرينة على أن المراد العزم.

(٣) وهما: العزم والفعل، بيانه: أنه إذا قال: صل وأراد به اعزم على فعل الصلاة، ثم قال: لا تصل، أي: اترك فعل الصلاة، فالمأمور به العزم والمنهي عنه الفعل، وهما مختلفان.

(٤) أي: فقالوا: إن زيادة صلاة سادسة تكون نسخا لأنها ... الخ.