[ما يحتاج إليه المجتهد]
  (و) قد دخل(١) في علم الأصول معرفة القياس كما سبق؛ فلا وجه لعده على حدة شرطاً. وهو يستلزم أيضاً خامسها وهو: معرفة (مسائل الإجماع) التي وقع الإجماع عليها من العترة $ أو الأمة، والمراد القطعي؛ لئلا يخالفه، وكذا كل قاطع شرعي.
  وإنما اشترط معرفة هذه لأنها مأخذ الأحكام، فلا يمكن الاجتهاد إلا بعد الفحص والتفتيش فيها.
  قال الإمام المهدي #: وذلك يسير على من عَلَت همته، وأنِفَ عن ارتداء رذائل التقليد، قال: والعجب كله من ذوي البصائر يدَّعون أن الاجتهاد قد صار متعذراً مع اطلاعهم على نصوص كثير من العلماء - قديماً وأخيراً - أن المعتبر في الاجتهاد لا يزيد على ما ذكرنا، فأين التعذر؟! بل هو على من عَلَت همته وأنف عن رذائل التقليد أيسر من طلب نقل ما فرعته الأئمة السابقون، فإن تفريعهم قد بلغ في الاتساع مبلغاً عظيماً يشق حمله، ويصعب نقله، ولو اشتغل طالبه بطلب الاجتهاد بلغه في مدة أقصر من مدة نقله لما فرعوه، وصار بذلك(٢) غنياً عنهم، رفيعاً عن وهيطة(٣) التقليد، انتهى.
  ويكفي في معرفة ما ذكر إمكانُ الاطلاع عليها، بحيث يعرف السور والأبواب التي هي فيها وإن لم يحفظها غيباً.
  ولا بد(٤) مع ذلك من ذكاء يتمكن به من استنباط الأحكام، فإنه قد شوهد
(١) على الصحيح من كون القياس من الأصول ومن الدين، أما كونه من الأصول فظاهر، وأما كونه من الدين فلما روي: «إن هذا العلم دين ..» الخبر، والقياس علم فهو من الدين.
(٢) أي: ببلوغه الاجتهاد.
(٣) أي: رذيلة.
(٤) البد: الفراق، مفتوح؛ لأنه اسم لا التي لنفي الجنس، و «مع» ظرف له، و «من ذكاء»: خبرها، وقيل: إنه في مثل هذا التركيب: مشبه بالمضاف؛ لتعلق الجار والمجرور به، وإنما لم ينصب وينون جرياً على بعض اللغات في المشبه بالمضاف، والله أعلم.