[الاختلاف في جواز الاجتهاد في عصر النبي ÷]
  وما روي أنه قال لأبي موسى حين وجهه إلى اليمن: «اجتهد رأيك»، فلو لم يكن الاجتهاد جائزاً في عصره ÷ لما أمر من أمر ولا دعا لمن دعا، ومن جعل هذه الأخبار دليلاً على الوقوع فقد أبعد، سيما الآخرين(١).
  (و) اختلفوا في الوقوع، فأكثرهم على (أنه وقع ممن عاصره في غيبته) عن مجلسه مسافة لا يمكن مراجعته في الحادثة لتضيقها. ويحتمل أن المراد بالغيبة: الغيبة عن البلد، أو مسافة القصر، أو ما يشق معها الارتحال؛ لخبر عمرو بن العاص قال: كنت في غزوة ذات السلاسل احتلمت في ليلة باردة، فأشفقت على نفسي إن اغتسلت بالماء هلكت، فتيممت وصليت بأصحابي صلاة الصبح، فذكرت لرسول الله ÷ فقال: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟» فقلت: سمعت الله تعالى يقول: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}[النساء ٢٩]، فضحك رسول الله ÷ ولم يقل شيئاً.
  (وحضرته) ما ليس كذلك، بإذنه ÷، كحكم سعد بن معاذ في بني قريظة، وذلك أنه ÷ قال لهم: «ألا ترضون أن نُحَكِّمَ فيكم رجلاً منكم؟» قالوا: بلى، قال: «فذلك إلى سعد بن معاذ»، وقد كان سعد جعله النبي ÷ في خيمة في جانب مسجده؛ ليعوده من قريب، فأتاه قومه فاحتملوه على حمار وأقبلوا به وهم يقولون: يا أبا عمرو، أحسن في مواليك، فيقول لهم: قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم؛ فحينئذ أيس قومه من بني قريظة، ونعوهم إلى أهلهم قبل أن يحكم.
  ولما أقبل إلى النبي ÷ قال لمن عنده: «قوموا إلى سيدكم»، فقيل: أراد الأنصار خاصة، وقيل: عم الكل، فحكم سعد بقتل الرجال، وقسمة الأموال،
(١) أي: خبر معاذ، وخبر أبي موسى، فإنهما إنما يدلان على الجواز لا على الوقوع.