شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[وحدة الحق في القطعيات والظنيات]

صفحة 207 - الجزء 2

  لأن المجسم يعبد غير الله، ويعتقد أن التأثير لذلك الغير، كالثنوية⁣(⁣١) والمنجمة والطبائعية، ولا خلاف في كفرهم مع اجتهادهم.

  والمتأولُ للشرائع بالسقوط نحو الباطنية مكذبٌ لرسول الله ÷ فيما جاء به، فهو كمن كذبه، ولا خلاف في كفره مع اجتهاده.

  ومن أخطأ في غير ذلك⁣(⁣٢) بعد التحري فمعفو عنه؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ}⁣[الأحزاب ٥] ولم يفصل، وقوله ÷: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» ولم يفصل، وللإجماع على أنه من نكح امرأة في العدة جهلاً غير آثم، مع أنه قد خالف ما علم من الدين ضرورة.

  هذا حكم المجتهد في اعتقاديات الأصول وقطعيات الفروع.

  (وأما الظنية) أي: الأحكام الشرعية الفرعية الاجتهادية⁣(⁣٣) التي تُعُبِّدنا فيها بالظن، ولا يُحتاج فيها إلى دليل قطعي، بل دليلها ظني (العملية) أي: التي المطلوب منا فيها العمل دون الاعتقاد - فعند السيدين وأبي عبد الله والقاضي والأشعري⁣(⁣٤) والباقلاني وابن سريج وأبي يوسف ومحمد والكرخي وحكاه عن الحنفية: أنه لا حكم لله فيها معين قبل الاجتهاد، وإنما المطلوب من كل ما أداه إليه نظره، فمراد الله تعالى وحكمه فيها تابعٌ للظن، لا أن الظن تابع لمراد الله تعالى، فما ظنه فيها كل مجتهد فهو حكم الله تعالى فيها في حقه وحق مقلده (فكل مجتهد فيها مصيب) عندهم؛ لقوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ}⁣[النساء ١٠٥].


(١) كالوثنية (نخ).

(٢) كحجية الإجماع، والقياس، وخبر الواحد، والفقهيات المعلومة بالإجماع (*). شرح غاية.

(*) أو بغيره مما يفيد القطع. سيلان.

(٣) لإخراج المسائل الفقهية القطعية.

(٤) لكن هذا القول من الأشعري ينقض قوله بأن الحكم قديم، إلا أن يقال: حكم الله القديم عنده متعدد بحسب تعدد اختلاف المجتهدين.