شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[وحدة الحق في القطعيات والظنيات]

صفحة 208 - الجزء 2

  وأجيب: باحتمال أن المراد: بما أعلمك الله.

  قالوا: العمل بغير حكم الله تعالى ضلال ليس باهتداء، فلو كان بعض الصحابة المجتهدين مخطئا لم تكن متابعته اهتداء، وقد قال ÷: «بأيهم اقتديتم اهتديتم».

  وأجيب: بالقدح في رواية الخبر كما سبق، ولو سلم فالاهتداء من حيث فَعَل ما يجب عليه؛ لإيصاله إلى الثواب، وإن لم يكن كذلك من حيث تعيين الحكم، والصدق ببعض الاعتبارات كاف في أصل الصدق، كما إذا خالف النصَّ مجتهدٌ لم يطلع عليه.

  وقال الجمهور بوحدة الحق وتخطئة البعض، وعليه متأخرو الحنفية والشافعية والمالكية، وقرره المنصور بالله القاسم بن محمد #؛ محتجين بوجوه عقلية ونقلية:

  أما العقلية فمنها: أن المجتهد طالب، والطالب لا بد له من مطلوب متقدم في الوجود على وجود الطلب، فلا بد من ثبوت حكم قبل ثبوت الطلب، فإذا كان كذلك كان مخالف ذلك الحكم مخطئاً.

  ومنها: أنه يلزم أن يكون مَن اجتهد ابْتِدَاءً أو تغير اجتهاده مبتدأً شرعاً، والإجماع على أن ابتداء الشرائع إنما هو بالوحي.

  وأما النقلية: فالكتاب والسنة والإجماع؛ أما الكتاب فقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا}⁣[آل عمران ١٠٣]، وقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}⁣[آل عمران ١٠٥]، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}⁣[الأنعام ١٥٩]، ولم يفصل في تحريم الاختلاف في أصول الدين وفروعه؛ للقطع بانتفاء المخصص.

  وقوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}⁣[الأنبياء ٧٩]، وكان حكم داود بالاجتهاد دون الوحي، وإلا لم يجز لسليمان خلافه، ولا لداود الرجوع عنه، فلو كان كل منهما حقاً لم يكن لتخصيص سليمان جهة، ولم يحل له الاعتراض على من