شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[بيان ما يجب على المجتهد إذا رجع عن اجتهاده]

صفحة 219 - الجزء 2

  يباعدكم عن النار إلا وقد⁣(⁣١) حذرتكم منه»، أو كما قال.

[بيان ما يجب على المجتهد إذا رجع عن اجتهاده]

  (و) إذا كانت المسألة اجتهادية واجتهد فيها المجتهد وأداه اجتهاده إلى حكم معين، ثم تغير اجتهاده، فأحواله في ذلك ثلاثة:

  أحدها: أن يتغير اجتهاده وقد عمل بحسب الاجتهاد الأول وفرغ من عمله وليس لتلك الحادثة فرع ولا حكم مستقبل، فما فعله بالاجتهاد الأول فهو صحيح، مثل أن يكون رأيه في التيمم أنه إلى الرسغين، ثم فعل ذلك وصلى به، ثم أحدث وتغير اجتهاده إلى أنه إلى المرافق، فإن صلاته بذلك التيمم صحيحة، ولا يلزمه إعادتها.

  وثانيها: أن يتغير اجتهاده ولم يفعل بحسب الاجتهاد الأول، فهذا يلزمه العمل بالاجتهاد الثاني ولا خلاف أعلمه، كأن يرى أن التيمم إلى المرفقين قبل أن يتيمم إلى الرسغين.

  وثالثها: أن يتغير اجتهاده بعد أن عمل بالأول إلا أن للأول أحكاماً تتبعه مستقبلة، أو يخل بطاعة مما يقضى وله فيها مذهب وأراد جبرها بالقضاء


(١) ومن ثمة قال الشافعي: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة، وجميع السنة شرح للقرآن. وقال بعض السلف: ما سمعت حديثاً إلا التمست له آية من كتاب الله. وقال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله ÷ على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله، أخرجه ابن أبي حاتم. وقال ابن مسعود: أنزل في القرآن كل علم، وبين لنا فيه كل شيءـ ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن، أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم. وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ÷: «إن الله لو أغفل شيئاً لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة». وقال الشافعي أيضاً: جميع ما حكم به النبي ÷ فهو ما فهمه من القرآن، قال السيوطي: ويؤيده قوله ÷: «إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه» رواه باللفظ الطبراني في الأوسط من حديث عائشة. وقال الشافعي أيضاً: ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى.