[بيان ما يجب على المجتهد إذا رجع عن اجتهاده]
  وقد ذهب إلى مذهب آخر، فأحد قولي المؤيد بالله والمنصور بالله @ ومحمد بن الحسن(١) وصححه فقهاء المؤيد بالله، كأبي مضر وعلي بن خليل وبعض المتأخرين والحفيد: أنه يعمل على الاجتهاد الأول، ولا يلتفت إلى الثاني.
  وقال الحقيني، والمهدي أحمد بن الحسين، وأحد قولي المؤيد بالله $: إنه يعمل على الاجتهاد الثاني.
  وكذا الحكم فيمن قلده، فإنه لا يزال يعمل على الاجتهاد الأول حتى يعلم انتقاله عنه، ولا يلزمه تكرير السؤال مرة بعد أخرى هل تغير اجتهادك أو لا؟
  فلذا قلنا: إنه إذا اجتهد فأداه اجتهاده إلى معين، وأفتى من قلده فيه، ثم تغير اجتهاد إلى غيره، فإنه (إذا رجع عن اجتهاده) وقد أفتى به، إلى اجتهاد آخر، وتمكن من إخبار المستفتي، ولم يكن قد عمل بالأول، ولم يقلد غيره معه في تلك المسألة ممن يوافقه(٢) فيها، نحو: أن يتزوج امرأة - مثلًا - بغير ولي عند ظن إمامه صحة ذلك، ثم تغير اجتهاده إلى عدم الصحة، أو سافر بريداً وهو يرى وجوب القصر فيه، ثم رأى بعد خروج وقت الصلاة أنه لا يوجبها - (وجب عليه إيذان مقلِّده)؛ ليرجع المقلد عن رأيه(٣) الأول ليعمل على القول الثاني؛ لأن المفروض أن مستند العامي وقائده إلى العمل كون ما عمل به قولاً لذلك المجتهد، وإلا كان على مراحل من العمل، ومعلوم أنه بعد الرجوع لم يبق قولاً له، فلا يصح أن يعمل به بعده؛ لبطلان شرط العمل، وانهدام أصله، فيجب عليه أن يعمل بالثاني.
  أما لو كانت المسألة قطعية وأخطأ فيها المفتي بفتياه، أو الحاكم بحكمه، أو اجتهادية وقصر في الاجتهاد، فلا شبهة في أنه يجب عليه الإعلام بالخطأ،
(١) هو السيد الإمام محمد بن الحسن الشيباني، فقيه الحنفية المشهور القائل: إذا أمنت على نفسي من أعداء زيد بن علي فأنا على مذهبه وإلا فأنا على مذهب أبي حنيفة، توفي سنة ١٨٩ هـ.
(٢) أما لو قلد من يوافقه فيها لم يلزمه إعلامه؛ لأنه في ذلك الحكم عامل بمذهب إمام آخر.
(٣) أي: عن رأي إمامه.