[الاختلاف فيمن يقلد عند اختلاف المجتهدين مع التفاوت في الأفضلية]
[الاختلاف فيمن يُقلَّد عند اختلاف المجتهدين مع التفاوت في الأفضلية]
  (و) إن اختلفوا مع التفاوت في الأفضلية؛ فعند جمهور أئمتنا $ وغيرهم: أنه (يتحرى الأكمل) علماً وورعاً وجوباً؛ لوجوب اتباع الظن مع تعذر اليقين، وأقوال المجتهدين بالنسبة إلى المقلِّد كالأدلة بالنسبة إلى المجتهد، فإذا تعارضت لا يصار إلى أيها تحكماً، بل لا بد من الترجيح، وما هو إلا بكون قائله أفضل أو أعلم. ولا يبعد دخوله في أحاديث الأمر بالاجتهاد؛ لأنه يمكنه الاجتهاد في أعلم المجتهدين وأدينهم بالتسامع والشهرة، ورجوع العلماء إليه، وإقبال الناس عليه، وذلك مما يطلع عليه بسهولة، فيكون طريقاً إلى قوة ظنه، فيقلده دون غيره، (إن أمكنه) تحري الأكمل كذلك(١).
  (و) إن لم يمكنه، بأن كان لا رشد له يهديه إلى معرفته - فلنبين له ذلك ووجهه إن شاء الله تعالى فنقول: (الحي أولى) بتقليده (من الميت) وإن كان يصح تقليده؛ لأن الطريق إلى معرفة كماله أقوى من الطريق إلى كمال الميت، والعمل بما طريقه أقوى أرجح.
  وأيضاً فإن تقليد الميت قد خالف فيه بعض القائلين بجواز التقليد، والمتفق عليه أولى من المختلف فيه، وإن كان الدليل ظاهراً في جواز تقليد الميت، وهو إجماع المسلمين الآن عليه.
  بيان ذلك: عمل الأمة في كل قطر بمذهب الأئمة - كزيد بن علي والهادي والناصر $، وكأبي حنيفة والشافعي - متكرراً شائعاًَ ذائعاً من غير نكير.
(١) وعلى هذا فلا يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل وإمكانه؛ لأنه بمثابة العمل بالدليل المرجوح مع وجود الأرجح، فلا وجه لما قيل: من أن الحي أولى من الميت مع صحة تقليده مع وجود الحي فتأمل. وكان مقتضى ذلك أنه متى قلد مجتهداً ثم وجد من هو أعلم أو أفضل منه أن يجب عليه الانتقال فينظر ما وجه قولهم: إنه يجوز ولا يجب.