[الباب العاشر: في الترجيح]
[الباب العاشر: في الترجيح]
  (الباب العاشر) أي: من أبواب الكتاب (في) التعادل، وهو لغة: التساوي، وشرعاً: استواء الأمارتين عند المجتهد بحيث لا يثبت لإحداهما فضل على الأخرى. وذلك جائز وواقع قطعاً واتفاقاً، فيعمل فيما تعارضا فيه بغيرهما من شرع أو عقل عند أصحابنا وأكثر الفقهاء.
  وفي (الترجيح) و (هو) لغة: فضل(١) في أحد جانبي المعادلة، وجعل الشيء فاضلاً زائداً، ومنه قوله ÷ للوازن حين اشترى سراويل بدرهمين: «زن وأرجح، فإنا معاشر الأنبياء هكذا نزن» فمعنى: أرجح: زد عليه فضلاً قليلاً يكون تابعاً له.
  ويطلق مجازاً على اعتقاد الرجحان. وفي الاصطلاح: (اقتران الأمارة) أي: الدليل الظني في نظر المجتهد(٢) (بما تقوى به) أي: بشيء زائد على ذاتها؛ فلا يقال للنص زائد على القياس (على معارضتها) أي: على أمارة أخرى معارضة لها، بأن تقتضي كل منهما خلاف ما تقتضيه الأخرى.
  فإن أمكن الجمع بينهما ولو من وجه بأن تحتمل إحداهما تأويلاً يوافق الأخرى وجب، وهو يكون بين آيتين، كما في قوله تعالى: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}[البقرة ٢٢٥]، وفي موضع آخر: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ}[المائدة ٨٩]، فالأولى توجب المؤاخذة على الغموس؛ لأنها من كسب القلوب، أي: القصد، والثانية توجب عدم المؤاخذة عليها؛ لأنها من اللغو، ويجمع بينهما بأن يقال: المؤاخذة
(١) الفضل بسبب الترجيح لا نفس الترجيح الذي هو فعل المرجح.
(٢) إشارة إلى دفع ما يتبادر من أن الترجيح فعل المجتهد والاقتران فعل الأمارتين وقد حد الأول بالأخير على جهة التجوز من إطلاق السبب وإرادة المسبب.