[بماذا يصير المقلد ملتزما]
  التي توجبها الآية الأولى على الغموس هي المؤاخذة في الآخرة، والتي تنفيها الثانية هي المؤاخذة في الدنيا، أي: لا يؤاخذكم الله بالكفارة في اللغو ويؤاخذكم بها في المعقودة، ثم فسر المؤاخذة بقوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}[المائدة ٨٩]، فلما تغايرت المؤاخذة اندفع التعارض.
  أو بين قراءتين في آية واحدة، كقراءتي الجر والنصب في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}[المائدة ٦]، فإن الأولى تقتضي مسح الرجل، والثانية تقتضي غسلها، فالجر محمول على الجوار وإن كان عطفاً على المغسول؛ توفيقاً بين القراءتين، كما في قولهم: جحر ضبٍ خربٍ، وماءُ شنْ باردٍ، وقول الفرزدق:
  فهل أنت إن ماتت أتانك راكب ... إلى آلِ بسطام بن قيس فخاطب
  بجر «خاطب» على الجوار مع عطفه على «راكب».
  وعورض بأن النصب في الآية محمولٌ على العطف على المحل؛ جمعاً بين القراءتين، كما في قوله:
  فواسقاً عن قصدها جوائراً ... يذهبن في نجد وغَوْراً عائراً
  وهو إعراب شائع مستفيض، مع ما فيه من اعتبار العطف على الأقرب، وعدم وقوع الفصل بالأجنبي.
  والوجه أنه في القراءتين معطوف على: {رُؤُوسِكُمْ}، إلا أن المراد بالمسح في الرجل هو الغسل، فيكون من قبيل المشاكلة، كما في قوله:
  قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
  وفائدته: التحذير عن الإسراف المنهي عنه؛ إذ الأرجل مظنة الإسراف بصب الماء عليها، فعطفت على الممسوح لا لتمسح، بل للتنبيه على وجوب الاقتصاد، كأنه قيل: واغسلوا أرجلكم غسلاً خفيفاً شبيهاً بالمسح.