شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[جهات الترجيح بحسب المتن]

صفحة 256 - الجزء 2

  وهذا إنما يجيء على مذهب الشافعي من حمله للعام على الخاص مطلقاً، فلعله قد بنى على مذهبه كما أشار إلى قوته في باب العموم والخصوص، وبنى عليه الأصحاب في كثير من المواضع.

  وأما على مذهب الجمهور فإنه مخصص مع المقارنة، ناسخ إن علم تأخره متراخياً، منسوخ إن علم تأخر العام كذلك، ويطرحان إن جهل التأريخ⁣(⁣١) والله أعلم. وإن كان كل منهما أعم من وجه وأخص من آخر فليس تخصيص عموم أحدهما أولى من العكس، نحو: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً»، فإنه خاص بهما، عام للمتغير وغيره، و «الماء لا ينجسه إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه» خاص بغير المتغير، عام للقلتين وغيرهما.

  فنقول: المراد بالأول - مثلاً - ما لم يتغير، وبالآخر القلتان، فيحكم بطهارة ما بلغ قلتين ولم يتغير دون غيره.

  (و) يرجح (تخصيص العام) لكثرته (على تأويل الخاص) لقلته، كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}⁣[الحج ٧٨]، مع قوله ÷: «في أربعين شاة شاة» فيلزم تخصيص الآية بالخبر، فيجب شاة بعينها، ولا يؤول الخاص بتجويز دفع القيمة عنها.

  (و) يرجح (العام الذي لم يخص) للاتفاق على حجيته (على الذي خصص) للخلاف فيها، مثاله: «الصبي المرتد لا يقتل بردته»، مع ما لو قيل: «كل مرتد⁣(⁣٢) يقتل».


= يوافق الآخر ولا يبقى له فائدة زائدة على ما رجع هو إليه، كما في الحديثين السابقين، وهذا يرجح الخاص مثلاً على العام باعتبار ما قابله منه، ويجرى بقية العام على ما يقتضيه ظاهره، كما في المثالين هنا، وقد سبق تحقيقه في التأويل.

(١) قال في الهداية: وهكذا الخاص من وجه يقدم على العام من كل وجه. وفيه: أن هذه النسبة لا وجود لها، ولعل لفظ «كل» فيه زائدة، فإن النسب أربع ليست هذه أحدها.

(٢) فإن الأول عام غير مخصص، بخلاف الثاني فإنه مخصص بالمكره ونحوه.