[خاتمة في الحدود]
  وهذا إنما هو (بالنظر إلى المخاطب)، أما لو كان السامع المخاطب عالماً بالألفاظ الوحشية، أو كان هناك قرينة دالة على المراد جاز استعمالها. وبهذا(١) يندفع ما يقال: إن المجاز لا يكون إلا مع قرينة لأخذها في ماهيته؛ لأن قرينته دالة على أن اللفظ لم يستعمل فيما وضع له، وهي غير القرينة الدالة على تعيين المراد. فهذا كله تصريح بمفهوم المساواة في الجلاء والخفاء. وتقييدها(٢) به لأَنَّ المساواةَ التي هي بحيث يصدق أحدهما على ما يصدق عليه الآخر فإذا وجد وجد - وهو معنى الاطراد، وبه يكون الحد جامعاً - وإذا عدم عدم - وهو معنى الانعكاس، وبه يكون مانعاً - معتبرةٌ، والله أعلم.
  فهذا بيان الحدود وأقسامها. وأما الترجيح بينها فقد بينه بقوله:
  (وترجح بعض الحدود السمعية) وهي الموصلة إلى تصور الأحكام الشرعية كحدود الصلاة والصوم والحج والزكاة، لا العقلية وهي التي يقصد بها تعريف الماهيات، وإنما لم يقيدها بالظنية لما عُلِم من الوجه في منع التعارض بين الحجج القطعية.
  إذا عرفت ذلك فيرجح بعضها (على بعض) بأحد أمور كثيرة: (بكون ألفاظه أصرح)؛ بأن تكون ناصَّة على الغرض المطلوب دالة عليه بالمطابقة، وألفاظ الآخر ليست كذلك؛ بأن تكون مجازية، أو مشتركة أو عرفية - مع مصحح الحد بها - أو مضطربة أو دالة على الغرض بالالتزام، فإن الأول أرجح؛ لكونه أقرب إلى الفهم، وأبعد عن الخلل والاضطراب.
  مثال ذلك: ما يقال في الجنابة: «حدوث صفة شرعية في الإنسان عند خروج المني أو عند سببه(٣)، تمنع من القراءة لا الصوم»، مع قول الآخر: «الجنابة: خروج المني على وجه الشهوة».
(١) أي: بقوله: «قرينة دالة على المراد».
(٢) قوله: «وتقييدها» أي: المساواة، وقوله: «به» أي: بالجلاء والخفاء.
(٣) يعني التقاء الختانين.