شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الدليل الثاني: السنة]

صفحة 73 - الجزء 1

[قول النبيء ÷. ومباحثه]

  (فالقول) حكمه (ظاهر)، ومباحثه: الأمر، والنهي، والعموم، والخصوص، ونحوها. وينظر في وجه ظهوره؛ فإنه يحتاج إلى شدة البحث كما لا يخفى؛ إذ ليس المراد مجرد ماهيته كما توهم، بل الحكم كما أشرنا إليه، وإلا فالفعل باعتبار ماهيته كذلك، فتأمل.

  وحذف «أما» هنا لا يليق مع ذكرها في القسمين الأخيرين.

  (وهو أقواها) أي: أقوى أقسام السنة؛ لاستقلالِه في الدلالة على تعدي حكمه إلينا، فلا يحتاج فيها إلى غيره⁣(⁣١)، ولعمومِه؛ لدلالته على الموجود والمعدوم، والمعقول والمحسوس⁣(⁣٢)، ولأنَّ العمل به يبطل مقتضى معنى الفعل في حق الأمة فقط، دون النبيء ÷، فيمكن الجمع بينهما بأن الفعل خاص به دوننا، فنكون قد أخذنا بهما معاً، والجمعُ بين الدليلين ولو بوجه واجبٌ ما أمكن، ولاتفاقِ⁣(⁣٣) من يحتج بالقول والفعل على دلالته، بخلاف الفعل فيها أجمع⁣(⁣٤).

  وشروطُ الاستدلال به على الجملة شروطُ الاستدلال بالكتاب العزيز، وعلمُ المستدل بأنه ÷ لا يكتم ما أمر بتبليغه؛ بأن يكتم ÷ من الكلام مخصصاً متصلاً أو منفصلاً أو كلاماً مستقلاً، ولا يحرفه بأن يزيد فيه قيداً، ولا يزيد عليه شيئاً يخرجه عن ظاهره، ولا يبدله بغيره؛ لأن تجويز ذلك يسد علينا باب الثقة بخطابه ÷، وذلك محال {إنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ٤}⁣[النجم] {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي}⁣[يونس ١٥] {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}⁣[الأنعام ٥٠].


(١) بخلاف الفعل فلا يستدل به من دون القول.

(٢) بخلاف الفعل فإنه يختص بالموجود والمحسوس؛ فتكون دلالته أقوى.

(٣) وإنما قال: «ولاتفاق ..» إلخ، ولم يقل: «وللاتفاق على الاحتجاج» ويُطْلِق - كما قال غيره به؛ لِما حكى في حاشية الفصول عن الكوفيين أنهم يمنعون الاحتجاج بالحديث؛ لأنها قد كثرت روايته بالمعنى. وليس بمشهور من مذهبهم، وقد شنع على هذا القائل.

(٤) أي: في دلالته على الموجود والمعدوم والمعقول والمحسوس ونحوه.