شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الدليل الثاني: السنة]

صفحة 79 - الجزء 1

  الندب أيضا، فلو ترك القنوت في الفجر لا لسهو ولا لكونه نفلا علمنا أن الأمر به على جهة النفل قد ارتفع. كذا قيل.

  (وفعله لما نهى عنه) نهيا مطلقا كذلك⁣(⁣١) (يقتضي الإباحة)؛ إذ لو كان محظورا لما فعله؛ لعدم جوازه في حقه كما تقدم، فلو نهانا عن قتل القمل في الصلاة، أو إلقاء النخامة في المسجد، ثم فعل لا لعذر - اقتضى فعله الإباحة، وكان قرينة صارفة للنهي عن الحظر.

  وفي كل ذلك إن قام دليل الخصوصية فذاك، وإلا كان حكمنا حكمه فيه.

[تقرير النبيء ÷]

  ولما فرغ من بيان نوعي السنة الأولين - وقدمهما لقوتهما - أخذ يبين الثالث فقال: (وأما التقرير) أي: تقرير الرسول ÷ لغيره (فـ) إنما يكون دليلا بشروط:

  أحدها: (إذا علم ÷ بفعل) أو قول أو ترك (من) مكلف (غيره) غير معذور - سواء كان بين يديه أو لا - ثم سكت (ولم ينكره) على فاعله. والثاني: أن يقع (وهو قادر على إنكاره) أي: الحكم بكونه منكرا لو كان منكرا، لا إنْ لم يكن قادرا فلا تأثير لسكوته وعدم إنكاره اتفاقا؛ لجواز إنكاره مع حصول القدرة. والثالث: أن لا يكون مما علم أنه منكر له، وترك إنكاره في الحال لعلمه أنه علم منه ذلك، وبأن الإنكار لا ينفع في الحال، ولذا قال: (وليس كمضي كافر إلى كنيسة)؛ إذ لو كان كذلك لم يكون لسكوته ÷ أثر في الجواز اتفاقا.

  (و) الرابع: أن (لا) يكون قد (أنكره) أي: نحو ذلك الفعل (غيره ÷)؛ إذ لو أنكره أحد وعلمه كان سكوته تقريراً للإنكار لا للمنكر - (دل ذلك) التقرير (على جوازه) أي: كونه مشروعاً وجوباً، أو ندباً، أو كراهة، أو إباحة، للمقرر مطلقاً، ولغيره إما لمشاركته في علته، وإما لأن حكمه على الواحد حكمه على الجماعة.


(١) أي: لا لعذر ولا لسهو.