[الدليل الثاني: السنة]
  فإن سبق التقرير حكم مخالف كان نسخا أو تخصيصا؛ لأن صمته لسان، ولا يسكت ÷ على منكر مع ذلك(١)، وإلا لزم ارتكابه المحرم، وهو تقريره على المحرم؛ إذ التقرير على المحرم محرم(٢)، واللازم باطل - وإن فرض كونه من الصغائر - لعصمته ÷ عما يتعلق بالأحكام من المعاصي مطلقاً(٣) كما سبق. فإن استبشر به ÷ فأوضح دلالة على الجواز من مجرد السكوت اتفاقاً، كما روي أن مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِي مر بزيد بن حارثة وأسامة وقد ناما في قطيفة، وغطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، فلما رأى ذلك قال: هذه الأقدام بعضها من بعض. فلما ذكرت القصة للنبيء ÷ سر بذلك سرورا عظيما. وسببه أن أسامة كان أسود، وزيدا كان أبيض، وكان المنافقون يتعرضون للطعن في نسب أسامة، فلما ألحقه مجزز المُدْلجي بزيد سر ÷، ودخل على عائشة وأسارير(٤) وجهه تبرق من الفرح، فقالت عائشة: يا رسول الله، أنت أحق بقول الهذلي:
  فإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل
  فقال لها: ألم تري إلى مجزز كيف مر على أسامة وزيد؟ وقص لها القصة.
  وحكم مجزز في قيافته كحكم كافر في مضيه إلى كنيسة مما علم أن الرسول ÷ منكر له على الإجمال؛ لِما اشتهر من سعيه ÷ في إماتة طرق المشركين، وبعده عن متابعتهم، وعلو شأنه عن سلوك طريقهم،
(١) أي: الشروط التي تقدمت.
(٢) ومن ثم قال علي # في بعض خطب النهج في ذكر النبيء ÷: وصمته لسان. قال السيد صلاح في شرحه: يعني أنه إذا صمت في حادثة ولم ينكرها حكم بأنه ارتضاها واستحسنها، ومن ثم قيل: السكوت أخوالرضى، وقلت في نظم هذا المعنى:
إذا اغتاب أقوام وأنت لديهم ... ولم تغدُ عنهم عند ذلك معرضا
فإنك مغتاب وإن كنت صامتا ... لأن سكوت السامعين أخو الرضا
تمت منه.
(٣) صغيراً أو كبيراً.
(٤) الأسارير: محاسن الوجه، والخدان، والوجنتان. قاموس.