[الدليل الثاني: السنة]
  وقال البغداديون وأبو الحسين البصري(١) وابن الملاحمي(٢) من المعتزلة، والجويني، وبعض الفقهاء: إنما يفيد النظري؛ لأن العلم(٣) لا يحصل إلا بعد العلم بانتفاء اللبس في مخبَرِه(٤)؛ بأن يكون محسوسا لا اشتباه فيه، وبعد العلم بانتفاء داعي الكذب؛ وذلك بأن يكون المخبرون جماعةً لا داعي لهم إليه، وكل ما كان كذلك فليس بكذب، وما ليس بكذب فهو صدق؛ لعدم الواسطة بين الصدق والكذب.
  وَرُدَّ بمنع احتياجه إلى سبق العلم بذلك، بل يحصل العلم أوَّلًا ثم يلتفت الذهن إلى الأمور المذكورة، وقد لا يلتفت إليها على التفصيل، وإمكان الترتيب لا يوجب الاحتياج، وإلا لزم في كل ضروري؛ لأنك إذا قلت: «الأربعة زوج» فلك أن تقول: «لأنه منقسم بمتساويين، وكل منقسم بمتساويين زوج»، وإذا قلت: «الكل أعظم من الجزء» فلك أن تقول: «لأن الكل مركب منه ومن غيره، والمركب من الجزء، ومن غيره أعظم من الجزء، فالكل أعظم من الجزء».
  وتوقف المرتضى الموسوي(٥) والآمدي(٦)؛ لتعارض الأدلة، وعدم تمييز الصحيح منها عن غيره.
(١) هو أبو الحسين محمد بن علي الطيب المعتزلي من مشاهير المعتزلة وكبار علماء أصول الفقه، له كتاب المعتمد في أصول الفقه، توفي سنة ٤٣٦ هـ. تاريخ بغداد.
(٢) هو محمود بن الملاحمي الخوارزمي، يدعى تارة بابن الملاحمي وأخرى بالخوارزمي، وهو من تلاميذ القاضي عبد الجبار بن أحمد، توفي سنة ٥٣٢ هـ وله مؤلفات في الأصول منها الفائق وغيره. من حاشية الدر المنظوم.
(٣) المستفاد من التواتر.
(٤) أي: المخبر عنه.
(٥) هو أبو طالب علي بن حسين بن موسى القرشي العلوي الحسيني المعروف بالشريف المرتضى، من الأشراف الأجلاء وكبار العلماء والأدباء، توفي سنة ٤٣٦ هـ. كشف الظنون.
(٦) هو أبو الحسن علي بن محمد بن سالم التغلبي سيف الدين الآمدي، من مشاهير علماء الشافعية في الأصول، توفي سنة ٦٣١ هـ. طبقات الشافعية.