كتاب الرد على عبدة النجوم وغيرهم من فرق الملحدين
  وحقيقة حكمته في خلقه لمن علم بمعصيته: أن خلقه لجسم العاصي وعقله، وحياته بعد موته وايجاده بعد عدمه حكمة جليلة، ونعمة عظيمة، وفعل النعمة والحكمة خير من تركها.
  وأيضاً فليس يجب على الحكيم أن يترك الحسن من فعله، لعلمه بقبح القبيح من فعل غيره، وليس علمه بمعصية العاصي يدخله في معصيته، ولا علمه بخير المطيع يجبره على طاعته، وليس يثيب ويعاقب على علمه، وإنما يثيب العبد أو يعاقبه بفعله، لأن العلم هو الله ø، وليس يثيب الله على نفسه، وإنما يثيب العبد على حسن فعله وطاعته.
  فإن قال قائل: فلم لم يجبر عباده على الطاعة كلهم؟
  قيل له ولا قوة إلا بالله: لأنه لو جبرهم على الطاعة، لكانت الطاعة فعله لا فعلهم، ولما استحقوا المدح على فعل غيرهم.
  وحقيقة عدله في سقم عباده وأمراضهم وموتهم، أن المرض والألم يدعو إلى الخوف من العذاب، والخوف يدعو إلى النعمة والثواب، ولو أمنوا الموت والأسقام، وشفوا من الأمراض والآلام، لعظمت ذنوبهم، ولهلك بسبب الأمان أكثرهم، ولقل خوفهم، وهاهم اليوم مع قصر أعمارهم قد عظم هلاكهم، وجل ظلمهم وضلالهم، فكيف لو أهملهم من ذلك وأنظرهم، ولكنه جاد علينا بذلك لعلمه بضعفنا، وأعاننا به على جهاد أنفسنا، لأنا وجدنا الخوف يمنع من اللذات، ويشغل عن فعل السيئات، ويدعو إلى فعل الحسنات، ويدعو إلى الإقصار عن الموبقات.
  والدليل على أن للصانع رسولاً أنه حكيم، والحكيم لا يهمل خلقه من الأمر