كتاب الطبائع
  تدل على أوليتها، وتخبر بقضاء جميعهما بنهاياتها، وانقطاع أولها وآخرها بغاياتها؛ لأن آخر الحركة لم تعدم إلا بعد عدم أولها، وانقطاع أكثرها وقلتها، وفنائها بعد حدوثها كلها، والحياة مقرونة بالحركات، والسكون مقرون بالممات، فكانت حياتهما مدة، والمدة قد عدمت وكانت لهما حركات](١)، فسكنت، وأعمار - بعد حدوثهما انقطعت - وإذا صح أن لحياتهما أولاً لم يخل من أن يخلقا(٢) في البدئ طفلاً أو يكون جعلهما تماماً كاملاً، فإن كانا في بدئ خلقيهما(٣) طفلين، وكانا إلى التربية واللطف محتاجين، فذلك دليل على خالقهما؛ إذ جعلهما(٤) بعد صغرهما، وقواهما بعد ضعفهما، وكثرهما بعد قلتهما، وعلمهما بعد جهلهما، وأغناهما بعد فقرهما.
  وإن كانا في بدئ الأمر كاملين، وخلقا في البدئ عاقلين فإنهما في الكمال محتاجان إلى الأغذية وأنواع المصالح المختلفة من المآكل والمشارب الطيبة، واللباس وأظلة الأبنية، وذلك مما لا يقدران عليه، ولا يجدان السبيل أبداً إليه إلا باللّه المنعم الواحد الخلاق، المتفضل(٥) الرزاق؛ لأنهما في بدئ خلقهما لا يدريان ما أريد بهما، ولا يكون ذلك إلا بعد تأديب مؤدبهما، وقبول إلهام معلمهما؛ لأنهما مع جهلهما وحيرتهما لا يعلمان المنافع والمضار إلا بعد طول تجربتهما، والتجرية ربما كان فيها الهلاك والتدمير، وبطلان الحكمة والتدبير، فمن أجل هذا أوجبت أن يكونا مُعَلِّمين، ولجميع أسباب الحكمة ملهمين.
(١) إلى هنا تمام السقط في (ب).
(٢) في (ب): أولاً لم يخلقا من أن يخلقا في البدئ كفلاً.
(٣) في (ب): في بدئ خلقهما.
(٤) في (ب): إذ كلفهما بعد صغرهما.
(٥) في (ب): المتفضل المنعم الرزاق.