كتاب الطبائع
  أحداً حتى حوته، ولم تترك من أجسادهم جسماً [(١) حتى حلته، ثم خرجت الحياة من الأجسام كلها وانتقلت من فروعها وأصولها، فلم تُبقِ الحياة جسماً حتى فارقته، ولم تترك جسداً حتى باينته، ثم تضمن الموت جميعهم، وحوي أصولهم وفروعهم، وإذا حواهما الموت فقد ناهاهم، وأوضح حدهم وغاياتهم؛ لأنه لم يقع على الفرع حتى تضمن أصله، ولم يُفنِ الفرع حتى أفنى الأصل قبله.
  وإذا تناهت الفروع إلى أصولها، ورجع أكثرها إلى قليلها، فلا بد من النظر في الأصل الذي هو أقل من فرعه، والبحث على فعل الحكيم وصنعه، فإذا نظرنا في ذلك علمنا أن الغاية التي صحت، والنهاية التي سلفت زوجان أصليان غير مولودين، ولا من الأصلاب والأرحام موجودين، والدليل على حدثهما كالدليل على حدث فروعهما، وذلك أن في كل واحد منهما حكمة في ذاته، ومصالح في جوارحه وصفاته، ثم علمنا أن فيهما جميعاً صنعاً محدثاً من عجيب خلق الذكر والأنثى، وجعل كل واحد منهما لصاحبه عمداً، وقصد الصانع لاتفاقها قصدأ.
  والدليل على أنهما كانا قبل حياتهما ميتين، وكانا قبل الحياة معدومين أنهما إذا كانا حيين معمرين فلا يخلو ما مضى من أعمارهما من أن يكون كثيراً أو قليلاً، وللكثير والقليل نهاية تدل على الابتداء؛ لأن ما مضى من العمر فقد تناهي؛ لأن كثيره لم يكثر إلا بعد أوليته.
  ودليل أخر: إن حركاتهما فيما مضى لم تكثر إلا بعد قلتهما وقلة الحركة
(١) من هنا إلى قوله: وكانت لهما حركات. نهاية المعكوف ساقط من (ب).