[دوامية التكليف]
  ودليل آخر: أن الحكيم إذا ركب في عباده الاستطاعة والقوى، وفطرهم على منازعة الهوى، فلا بد من صرف(١) ذلك في طاعةٍ وهدى(٢)، أو في جهل وضلالة ورَدَي، فالعقول تشهد أن الحكيم لا يأمر بصرف نعمه في الفساد، ولا يرضى لعباده بغير(٣) الرشاد، ولا رشداً أرشد ولا هدى أهدي مما نزل اللّه في الفرقان من الهدى.
  ودليل آخر: أن من أخفى هداه وحكمته، فقد نزع عن(٤) أوليائه رحمته، ومن أخفى حكمته عن(٥) أوليائه، وخلع حجته عن أعدائه، فقد برئ من الحكمة والتدبير، إذ رضي بالجهل والتدمير.
  ودليل آخر: إن دار البلوى لا يخلو أهلها من التشاجر في أحكامهم وأديانهم، واختلاف آرائهم وأهوائهم، وإذا كانوا من الصفة على ما ذكرنا، وكانوا من الاختلاف على ما به قلنا، فلا بد للحكيم من أحد وجهين:
  [١] إما أن يختار لهم أحكامهم على حكمه، ويصطفي جهلهم على علمه.
  [٢] وإما أن يحكم علمه على جهلهم، وينفي بحكمه باطل حكمهم.
  وإذا لم يكن بد من كتاب يحكم بينهم، ويبين لهم ما التبس عليهم، فلا يعلم أبْيَن من قوله، وما نزل من الهدى على رسوله ÷، وإذا كانوا من اختلاف
(١) في (ب): فلا يؤمن صدق ذلك وهذا.
(٢) في (ب): أو في جهل.
(٣) في (ب): غير الرشاد.
(٤) في (ب): من.
(٥) في (ب): من.