مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

[الحكمة في خلق الضار من المخلوقات]

صفحة 132 - الجزء 1

  لمعايشها، ونفورها عن المهالك وخوفها، وبشهواتها⁣(⁣١) لجميع لذاتها، وقوام روحها وحياتها، وإصلاح خلقها وتعديلها، وتوصيل⁣(⁣٢) جوارحها وتفصيلها قد جعل لها أعماد تقلها عن السقوط، وفصلت للإصعاد والهبوط⁣(⁣٣) ولولا تلك الأعماد لما ارتفعت، ولولا تفصيلها لما انتفعت، ولسكنت عن التحرك وانقطعت، ولكن الحكيم جاد عليها برحمته، وامتنّ عليها بإظهار حكمته واتمها بفواضل نعمته.

  وأما ما ينال الآدميين من ضرر الهوام، فما هو إلا كسائر الآلام، وما السم إلا سقم من الأسقام، وعلة من علل الأجسام، ومحنة من محن ذي الجلال والإكرام، يعظم فيها الأجر للمسلمين، ويجل فيها ثواب المؤمنين، وتخويف من رب العالمين، وموعظة لعباده الموقنين، وحجة ونقمة للفاسقين، وعقوبة للفجرة الظالمين؛ لأن الألم يدعو إلى ذكر الموت والفناء، ويزهد ذوي الألباب في الدنيا فيدعوهم الخوف إلى الإقصار عما يولج في عذاب النار، فهذه حكمة من حكم رب الأرباب، يستحق الشكر عليها من ذوي الألباب، مع أنه ø يثيب المؤمنين على أمراضهم وأسقامهم، أكثر مما يثيبهم مع صحتهم، فالحمد للّه الذي جاد علينا بموعظته، وجعل الرحمة في نعمته، فيا لها مِحَناً حسنت، ونعماً جلت وجسمت، وحكمةً بانت وعظمت.

  وإذا كان في البهائم للّه حكمة، وكان عليها منه نعمة، وكان آلمها⁣(⁣٤) بانواع


(١) في (ب): وشهواتها.

(٢) في (ب): وتواصل.

(٣) في (ب): عن السقوط للإصعاد الهبوط.

(٤) في (ب): وكان قد آلمها.