باب المعرفة
  محيط بكل شيء، أم هو في كل شيء، أم هو مع كل شيء؟
  قيل له ولا قوة إلا بالله: مسألتك تحتمل ثلاثة أوجه:
  [١] إما أن تكون عنيت ذاته.
  [٢] وإما أن تكون عنيت علمه.
  [٣] وإما أن تكون عنيت قدرته.
  فإن قلت: عنيت بقولك قدرته، فهو لعمري فوق كل شيء قاهر، وذلك قوله سبحانه: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}[الأنعام: ١٨]. وإن كنت عنيت بفوق وتحت ومحيط وفي ومع تريد: علمه، فهو لعمري كذلك محيط بكل شيء، وفي كل شيء، لا يخلو منه شيء، ومع كل شيء لا يخفى عليه شيء.
  وإن كنت عنيت ذاته، فمحال أن يكون محاداً للعالم فيكون مجزأً مبعضاً، لأنه إذا كان فوق العالم فالذي يحاد العالم منه أسفل، وإذا كان تحت العالم فالذي يحاد العالم منه أعلى، وإذا كان محيطاً فالعالم منه في كل أو بعض، والكل والبعض من أوصاف المخلوقين، وكذلك إذا كان في العالم كان العالم له محلاً، ومسكناً وملجأ ومعقلاً، وكان مكانه أكبر منه وكان محدوداً، والمحدود لا بد له من محدِّد، لأنه إذا أحاط به المكان(١) فله غاية ومنقطع، وما كان له منقطع فله قاطع، لأن المقطوع مفروغ منه، والفراغ من فعل المحدِّد القاطع للمحدود(٢) المناهي وهو الله محدِّد الأجسام وقاطعها ومفتطرها وصانعها، ومفرقها
(١) في (ب): بالمكان.
(٢) في (ب): للحدود.