باب الحقائق
  مسألة عن الإرادة
  وإن قال(١): لم يزل الله(٢) مريداً أم إرادته حدثت ولم تكن أزلية؟
  قيل له ولا قوة إلا بالله: اعلم أن إرادة الله سبحانه هي فعله.
  وأما إرادته لطاعة عباده فهي أمره لهم فقط، وكذلك سخطه لمعصيتهم فهو نهيه لهم، والله سبحانه لم يزل عالماً بجميع فعله، عالماً بجميع ما سيريد تكوينه، وإنما الذي يريد بلا علم تقدم، ويضمر بغير تكوين هو الإنسان الجاهل، الحائل الفكر الذي تحدث له النية والضمير والإرادة بإضمار القلب والطوية.
  ولو كانت إرادته قبل فعله لكانت إرادته كإرادة المخلوقين، ولكانت عرضاً من جسم، ولو كان جسماً لأشبه الأجسام. وإنما إرادته فعله وفعله مراده(٣)، وليس ثَمَّ إرادة غير المراد، فيكون مشابهاً للعباد.
  ومحبة الله هي: رضاه، ورضاه محبته، ومحبته ثوابه، وبغضه غضبه، وغضبه عقابه، وكراهته نهيه، لا غير ذلك، وهذه صفات تكون لله فعلاً، وتكون للمخلوقين بخلاف ما هي لله أعراض علل في المعلولات، لأن إرادة المخلوقين إهتشاش قلوبهم، ومحبة نفوسهم قبل فعلهم وكراهتهم، ومحبتهم وكراهتهم مخترعات(٤) في صدورهم، وحاش لله أن يوصف بصفات خلقه، والشهوة والكراهة بنيتان ضروريتان، وحاش لله أن يكون مضطراً إلى شيء أو مبنياً عليه.
(١) في (ب): فإن قال: أخبروني.
(٢) في (ب): لفظ الجلالة ساقط.
(٣) في (ب): وفعله إرادته.
(٤) في (ب): مختلجان.